نار ٌتلظَّى حَرُّها
وتوقّدتْ بشرَارَه
والكونُ يبدو آخَراً
لا الليلُ هذا ليلَه
أبداً ولا عاد النهارُ نهارَه
سرعان ما دار الزمانُ
حقيقةً تبدو إذا أخفى
الفضاءُ مَدارَه
وأشدُّ ما تهَبُ الدروبُ لتائهٍ
إن ضلَّلَتْهُ بسيْرهِ أخفتْ عليه مسارَه
فيرى القفارَ أمامَه ويرى الوحوشَ جوارَه
وأتاه من ربِّ السماءِ لأرضِه
فرجٌ أغاثَ صغارَه وكبارَه
ما كان هذا غيرَ قصَّةِ موطنٍ
ضمَّ الغريبَ إلى القريبِ
وأصبحتْ كلُّ الديارِ ديَاره
وهناك من يرمي الخلائقَ جيفةً
ويصونُ خوفاً قبلها بينَ البهائم كلبَه وحماره
هل هذه كلُّ الحقوقِ بدينِهم
زيفٌ يلصِّق قولَه وشعارَه
غرَّتْ عيونَ الناسِ وافتَتَنُوا به
والآن تشكو ذُلَّه وصَغَاره
ما حسَّ إحدانا بأزمةِ جائعٍ
أو صرخةً يبكي بها من حاكم
يُلقي الطعام على الجياعِ
بمنّةٍ وحقارة
أو أنَّ مسؤولاً شكا من كَرْبِهِ
بل كان يكتُمُ جرحَه وعوارَه
هذا المليكُ إذا تزعْزعَ شعبُه
خوفاً يُعيد سكونَه وقرارَه
الغربُ يحكي بالقساوةِ قصةً
ومليكُنا هزَّ القلوبَ حنانُه بِعبارة
لو كان بحرٌ للعطاءِ كبحرِه
لرأيت هذا الكونَ مثلَ سفينةٍ
تقف المراكبُ حولها ظمآنة
فتفيضُ إن أجرى العطاءُ بحارَه
الطبُّ أعلنَ عجزَه مستسْلماً
أين العلومُ بدارِهم وفنونِهم
أين التقدُّمُ والتطورُ
أين تلك الحضارة!
هل كان يبدو في رصيفِ شوارعٍ
أم كان يُرسَمُ في جدارِ عمارة
هل كان هذا من حفيفِ دراهمٍ
حسِبُوا المبادئَ سلعةً وتجارة
الربحُ ربح ٌسالبٌ
والكسبُ فيها نادرٌ
وخسارةُ الأرواح فيها لا تُعدُّ خسارة
وهنا المريضُ يرى الطبيبَ مسخراً
والبعضُ يُكشف داؤُه بإِشارة
يا رحمةَ اللهِ التي في خلْقِه
كانتْ وظلَّت مُزنةً مدْرارة
يا بن الربيعةِ أنتَ وحدَك نعمةٌ
ليستْ لمركزِ صحةٍ ووزارة
كانت لمملكةٍ تفانى شعبُها
لهُ في المصاعب دولةٌ مطلوبةٌ
من خلفِه وأمامِه ويمينَه ويسارَه
فالجيشُ جيشُك والسلاحُ يدٌ لها
عزم يلبي نصرُكم أنصارَه
والجندُ علّقَ عزمَه في رايةٍ
ورآك من فوقِ السفوحِ منارة
يا قومُ كُفُّوا عن حماقةِ طيشِكم
ما الداء إن كان الدواءُ بحكمةٍ
كلٌّ يلازم بيتَه أو دارَه
هل تَقطعون أيادياً مدَّتْ إلينا حبلَها
أم تَقذفُون أراضياً نُحمَى بِها بحجارة
تُهدي النصيحةَ آخَراً، تلهو بنفسِك بعدَه
فخُذِ الكلام فإنه إياك أعني واسمعي يا جاره
أوَجَدْتُم الأزماتِ حقاً في تجارةِ بيضِكم
هل سرّكم إن كان بيضاً فاقعاً في لونه
فتخيروا أحجامَه وبياضَه وصفارَه
مَثَلُ التَّهاونِ بينكُمْ سكّينةٌ
قطعتْ أصابعَ سيدٍ كانتْ تَرُصُّ خُضارَه
ما كنتُ أرسم ُأن أُعيدَ مواجعاً
بل أنْ أعيدَ إلى الكبيرِ وقارَه
وأذودَ عن بلدي الذي كلٌّ تمنّى أرضَه
وغدا يقبّل نسمَه وترابَه وغبارَه
فإذا الدنوُّ يزيده من رفعةٍ
وإذا الغبارُ على الجبين يزيده إشراقةً ونضارة
سجدتْ حروفُ الشكر في حبر الهوى
وتفتَّحتْ كالروضةِ الغناءِ لما عانقتْ خفَّاقَه وخَضَاره
ما كنتُ أكتب للشعور قصيدةً
كتبتْ بلادي شعرَه وحوارَه
سلَّمتُ أمري للإلِه و فضلِه
هذي الحياةُ بحلوِها وبمُرِّها
في طبعِها محتالةٌ دَوَّاره
وعُروضُها في مسرحٍ متغيِّرٍ
فغداً سيَختِمُ بالستارِ مَشَاهداً
وغداً نصفِّق ُكلُّنا بحرارة
** **
- أديم ناصر الأنصاري