د. حسن بن فهد الهويمل
لم أكن أتوقع وقع زاويتي السابقة {في مكتبتي} لأنها مجرد خطرات عابرة قلتها على عجل، غير أن ظروف الحجر، وتخلف الكتاب الورقي، وطغيان الكتاب الرقمي، حرك الكوامن، ودفع برفاق الكتاب، والمكتبة الورقية إلى البوح، فأنا كمن أثار الصيد، ولم يصد، ولكن الله قيض قناصة تصيدوا شوارد اللطائف، والفرائد، وألبسوا خواطري لباس المعرفة الفضفاض. ولما كان الفاضي يعمل قاضياً - كما يقال - فقد عدت، لأحكي لكم جولة أخرى ممتعة على حقول مكتبتي.
سخر أحد خاملي الذكر من أعرابي يفتخر بنسبه، فقال له الأعرابي:- لو كنت شريفًا لانتشيت. وأنا عندما أفتخر بمكتبتي يمتعض البعض، ويراه من باب المباهاة، وما هو كذلك، إنه إغراء، واستدراج للشباب. مكتبتي أراها حديقة غناء، بخرير مائها، وحفيف شجرها، وأصوات بلابلها، وهبوب نسيمها بأجمل الروئح، إنها رئتي التي أتنفس من خلالها. ولوعرف {عِلْيةُ} القوم ما نحن فيه من سعادة بين الكتب، لجالدونا عليه بالسلاح. دخلتها ذات مساء لأقتل الفراغ، وأخدر الملل، فامتلأ الفراغ، وزال الملل. هذه المرة تعمدت المادة الثقيلة: {حقل الفلسفة} - وما أدراك ما حقل الفلسفة؟ إنه حقل الغرائبيات، والتناقضات، والتحديات. لم تكن مناهجنا في زماننا حفية بالفلسفة، ولا باللغات، وهذا الحرمان فوَّت علينا أشياء كثيرة، وحفزنا على تدارك ما يمكن تداركه، ومن ثم كان حقل الفلسفة، والفلاسفة من أوسع الحقول، وأهمها، ومع أنه عسير الهضم على المعدات الفكرية، وخطير الأثر على العقائد الدينية فقد تصوره البعض أرضًا ملغومة، لا يعبرها إلا بمجسات، ومسابير، وأجواء ملوثة، لا يدخلها إلا بكمامات، ومعقمات. ونظرًا لتشعب الفلسفة، فقد كانت هناك حقول متعددة، لعل من بينها حقل { الفلسفة الحديثة} وحقول {الفلاسفة} إذ لكل فيلسوف حقله، ما قال، وما قيل عنه، ما أمكن ذلك. الفكر الحديث لم يسلم من دخن الفلسفات المادية الإلحادية، وهو دخن متفاوت. ومثلما أن هناك عنصرية عرقية، فإن هناك عنصرية فكرية مقيتة. سأشير إلى تحولات فكرية، ناتجة من صراعات فلسفية، وما {سأكبسله} يتطلب كتباً مستقلة. من نعم الله عليَّ خلوصي من الانبهار المذهل، والانتماء المقيد. قرأت لـ{ فوكوياما} نهاية التاريخ، ونقضته ب/{ جوفالي باتيستافيكو} دورة التاريخ. وقرأت لـ{ فيور باخ} فلسفته المادية: القائم على أن الفكر نتاج المادة. ونقضته بالفلسفة المثالية كما هي عند {كانط}، وهو صراع الأولوية، بين {المادة} و{القكر} ثم نظرية /أزلية المادة عند {لافوازيه} وأنها تتحول، ولا تزول، ودعك من جدلية {هيجل} و{علم الأخلاق عند {سبينوزا} وحديثه بالمنهج الرياضي عن: الله، والإنسان، والنفس، والحرية، والأخلاق. كل هذا الصراع المخيف، والخطير جاثم على الرفوف. وقد صور {العقاد} هذا الموقف عن المكتبة، والكتب أروع تصوير. سيكون للحديث صلات، مروعة، وممتعة، ومفيدة..!