«الجزيرة الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
ضيفنا هذا العدد من العراق. بعد تخرجه من الجامعة دخل في عالم آخر لا يعرف غير السلاح والمعارك والقتال.. وبعد تقاعده عام 2016م, بدأ بقرار قوي فوضع خطة لاختراق ما كان يحسبه صعبًا؟! أصدر (أسف فوق البحر) عضو فاعل في (ملتقى القصة السعودي), ترجمت قصصه إلى اللغة الإنجليزية, ضيف زاوية (ذاكرة الكتب) القاص هادي المياح عضو الاتحاد العام للكتاب والأدباء في العراق.
في حديثه عن البدايات قال القاص «هادي المياح»: بدأت القراءة في مرحلة الدراسة المتوسطة، وكنت أشبه بمهوس بحب الكتاب، ولا أنكر أنني كنت أتعاطف كثيرًا مع القصص والروايات الأجنبية, سواء كانت التي تهتم بالشخصيات أو سيكولوجيًا الشخصية مثل (فرجينيا وولف وجيمس جويس ودستوفسكي وحتى نجيب محفوظ) أو التي تتناول حبكة منفتحة على أحداث وأصوات متعددة, مما دفعني للاطلاع على كتب علم النفس والفلسفة في مراحل مبكرة مثل كتب فرويد وزكريا إبراهيم, وغيرهم. بعد كل هذه الفترة من السنين، لم أعد أتذكر الكتاب الأول الذي حظي بقراءتي ولا الذي اشتريته إذ كنا نعتمد على نظام الاستعارة من المكتبات المدرسية منذ مراحل الدراسة المبكرة والمكتبات العامة في بداية الستينيات، وبسبب هذا البعد الزمني لم يعد بإمكاني تذكّر الكتاب الذي استعرته أو قرأته. الذي أتذكره أنني مرهف الحس وأتعامل مع الأشياء والسلوكيات بدقة شديدة ما دعاني للتوجه إلى الكتابة وكتابة القصة القصيرة بالذات، التي تعتمد أساسًا على اقتناص اللقطات البصرية القصيرة بعد إخضاعها إلى وسائل وأجهزة الحس المتعددة.
عالم لا يعرف غير القتل (أسف فوق البحر)
وحول تجربته في التأليف قال «المياح»: بدأت كتابة القصة في بداية المرحلة الإعدادية وفي المراحل الجامعية نشرت في أول تجربة نشر لي قصة على اللوحة الجدارية للكلية, وبعد تخرجي دخلت في عالم آخر لا يعرف غير السلاح والمعارك والقتال.. تلك هي خدمتي العسكرية التي أبعدتني بل وأنستني موهبتي وطموحاتي.
بعد تقاعدي عام 2016 بدأت وبقرار قوي بوضع خطة لاختراق ما كنت أحسبه صعباً، وساعدني على ذلك حصيلتي المعرفية الواسعة، فكتبت الكثير من القصص ونشرت في الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية، وبعد ثمانية شهور فقط أصدرت كتابي منجزي الأول (أسف فوق البحر) في سنة 2017م, وكان هذا المنجز قد حقق هدفي الأساس وأولى مراحل الخطة التي وضعتها من البداية, وقد سبقته عدة خطوات كما نوهت، من بينها دخول معترك الوسط الأدبي بحضور جلسات الاتحاد والتجمعات الثقافية والمشاركة الفعالة فيها, وعلى إثر ذلك نلت عضوية الاتحاد العام للكتاب والأدباء في البصرة.
الروايات الأجنبية تأكل وتشرب معي
ما زلت أتذكر الكتب التي قرأتها وتركت أثرًا في أعماقي الدفينة وأكثرها روايات أجنبية، رغم أني كنت أتعامل معها بعاطفة متوقدة حتى صارت بمرور الأيام تأكل وتشرب وتنام معي, على سبيل المثال لا الحصر:
الغريب/ ألبير كامو، البؤساء, الشيخ والبحر، الجريمة والعقاب، ذكريات من بيت الموتى، عندما تشرق الشمس، مع وقف التنفيذ، مؤلفات توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، محمد عبدالحليم عبدالله.
كما استهواني النقد الأدبي ووجدت له علاقة بكتابة القصة، فعكفت علية لسنتين دراسة وتمحيص وتثقيف ذاتي, فعثرت بين متون كتبه وهوامشه ما جعلني أتقدم أكثر بالتعرف على كتاب القصة الأجانب خاصة كتب الإسبان والأمريكان, هذه الكتب أشعرتني كأنني عثرت على ضالتي الضائعة، تعلمت الكثير من التقنيات الإبداعية وحيل القص المتبعة منذ القرن التاسع عشر أو ما سبقه.
ومن خلال قراءاتي المصادر المهمة من كتب المنظرين والأدباء المؤسسين للقصة عربًا وأجانب، تركت عاطفتي على جانب، ورحت أقرأ متحسساً مواطن اللذة في النص وكنت إذا استهوتني صياغة أو عبارة موجزة بليغة وحفزت لدي الانجذاب التام والاندهاش، أقف وأسأل نفسي: كيف استطاع الكاتب أن يفعل بي هذا؟ ولو أنني قمت بكتابة جملة بهذا المعنى، كيف ستكون الصيغة؟ وهل يا ترى سوف أجيدها؟
وبمرور الزمن وجدت وبدون مبالغة أن الكثير من كتاباتي تقترب من كتاب ومؤلفين متخصصين بالقصة.
الكل يكتب والكل يطبع والكل يقرأ
كانت الكتب المترجمة هي الأكثر إغراءً لجيل الخمسينيات ربما لكون إنتاج الكتاب العرب في تلك الفترة محدود بسبب ندرة المطابع وارتفاع تكاليف الطباعة، مقارنة بالحالة الاقتصادية للكاتب في تلك المرحلة.. أما لو تحدثنا عن سلبيات الكتاب المترجم فهي كثيرة من بينها سوء الترجمة والطباعة.. واقتصار الانتشار على مؤلفين بالذات، نادراً ما يظهر منجز لآخر كما هو الحال في الوقت الحاضر.
الآن تغيرت الكثير من المفاهيم ففي الوقت الذي كانت فيه القاهرة تكتب ولبنان تطبع والعراق يقرأ، هذه المقولة المشهورة قالها الكاتب الشهير طه حسين في زمانه.. ومضمونها لا يعني بأن القاهرة لا تقرأ أو أن العراق لا يكتب، بل إن الأمر لا يتعدى غير تلاحم للأدوار في زمن مضى. الآن الكل يكتب والكل يطبع والكل يقرأ في زمن (العالم قرية صغيرة)!