سهام القحطاني
ويردد النهر المقدس والجسورْ..حريتي!.. والضفتان ترددان: حريتي!... ومعابر الريح الغضوب... والرعد والإعصار والأمطار في وطني... ترددها معي:حريتي! حريتي!
-فدوى طوقان-
تحية إجلال لكل امرأة فلسطينية ناضلت وما تزال تناضل من أجل الأرض والسلام.
ستظل القضية الفلسطينية جوهر عقولنا وقلوبنا ونحن لا نراهن عليها في أي سباق ولا نتنازل عنها في أي تداول مهما حاولت الأصوات الفاسدة والأيدي الخبيثة في الظلام أن تشكك في أصل ذلك الجوهر وأصالته، فولاؤنا راسخ نحو حق الشعب الفلسطيني في أرضه فكراً ومنهجاً ومشاعر، وعلاقتنا واضحة من العدو الإسرائيلي الصهيوني الذي قتل الشباب والأطفال بدماء باردة، ورفضنا جلياً لأي تطبيع دون عودة الأرض بعاصمتها المقدسة الأبدية.
وهذا هو قول الحق الواحد الذي مهما حاولت الأفواه السوداء أن تتلاعب به أو تخفيه فلن تستطيع.
استطاعت المرأة الفلسطينية أن تمثل دوراً مهماً في تاريخ النضال الفلسطيني بداية من الشهيدة شادية أبو غزالة والفدائية زكية شموط والتي تعرضت للكثير من المعاناة في السجون الإسرائيلية، وللأسف الشديد ما تزال المرأة الفلسطينية تعاني من اضطهاد العدو الإسرائيلي لمجرد مطالبتها بحقها في الأرض والحياة والسلام وتمتلئ السجون الإسرائيلية بالسجينات الفلسطينيات تحت مرأى ومسمع من منظمات حقوق الإنسان العالمية، والمناضلة فاطمة برناوي والشاعرة فدوة طوقان، وحتى المناضلة عهد التميمي.
وهناك نموذج آخر للمرأة الفلسطينية تتعادل في القيمة والأهمية وهي المرأة التي مثلت مفاوضات صراع السلام العربي وهنا سأركز على شخصية الدكتورة السيدة حنان عشراوي المرأة الاستثنائية التي ضربت مثالاً لحكمة المرأة العربية وقدرتها على المفاوضات مع عدو شرس كالعدو الإسرائيلي.
ولدت السيدة حنان عشراوي في مدينة نابلس في أسرة متعلمة مسيحية وكان أبوها قائداً سياسياً، درست في بيروت وحصلت على الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذه الأطر السوسيولوجية هي التي شكلت الشخصية الاستثنائية للسيدة حنان عشراوي أو «سيدة فلسطين الحديدية» أو «صوت فلسطين» التي تؤمن بأن «النساء لسن أقليات بل هن مواطنات يضطلعن بدور مهم وفعّال».
الناشطة السياسية وقائدة الانتفاضة الأولى والمتحدثة الرسمية باسم السلطة الفلسطينية وقد تغلبت بهذه القيادة في ذروة زمن صراع السلام العربي الإسرائيلي على الهيمنة الذكورية التي كانت تسعى كما تقول إلى «تهميش النساء». وقد تم اختيار السيدة عشراوي لتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في محادثات سلام الشرق الأوسط في مدريد عام 1993 لقدرتها على التفاوض بصيغته العالمية وإتقانها للغة الإنجليزية.
وقد أبهرت العالم بقدرتها على التفاوض بحكمة وذكاء فاستحقت جائزة اولوف بالمه عام 2002 تكريماً لنضالها من أجل حرية واستقلال شعبها، وفي عام 2003 حصلت على جائزة سدني للسلام.
وفي 1996 ترأست اللجنة الفلسطينية للدفاع عن الحقوق المدنية وأصبحت وزيرة للتعليم العالي.
وفي عام 1998 ترأست «المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية»، وتسعى المبادرة إلى بناء قيادات نسوية قادرة على المشاركة في صناعة القرار السياسي والاجتماعي والثقافي الفلسطيني.
لقد ناضلت السيدة عشراوي في سبيل تمكين المرأة الفلسطينية وصناعة هويتها المستقلة، كما ناضلت من أجل حرية شعبها واسترداد حقه في الأرض وكأن الأرض والمرأة رمز واحد للوجود الحر.
وكل تلك الجهود والإنجازات هي التي مثلت استثنائية السيدة حنان عشراوي إضافة إلى ما تملكه من كاريزما أحاطت بشخصيتها وقوة وجود وإنجاز، فهي كونها مسيحية لم تشعر أبداً بعقدة نقص كونها أقلية لأنها آمنت بأنها وكل المسيحيين هم جزء من النسيج الفلسطيني وهذا حقيقية، فالشعب الفلسطيني يتميز بالتسامح الديني والفكري ولعل هذا يعود إلى طبيعة التاريخ العربي الفلسطيني العريق قبل العبور الأول وبعده، تقول «نحن لا نرى أنفسنا كأقلية بل كجزء أساسي وجوهري للهوية الفلسطينية».
لقد أصبحت سيدة فلسطين الحديدية حنان عشراوي رمزاً للمرأة العربية المناضلة في زمن صراع الأرض والسلام ومقاومة التطبيع ودرة التاريخ النسوي الفلسطيني العربي الحديث.