فرض شهر رمضان لحكم عديدة لا تكاد تحصى، منها شعور الغني بمعاناة الفقير، وترويض النفس على الطاعة ومجاهدتها. ولذا نصح الرسول -صلى الله عليه وسلم- من لا يستطيع الزواج بالصوم.
وللصوم فوائد صحية؛ جسمية ونفسية يصعب تعدادها. فهو يمثل فرصة عظيمة للتخلص من العادات الغذائية السيئة، واستبدال العادات الصحية بها، وتطبيق نظام غذائي متوازن يحتوي على المجموعات الغذائية الرئيسة بكميات محددة. ولا سيما أن ليالي هذا الشهر الكريم لا تتجاوز الليلة الواحدة فيه تسع ساعات مما يعني أن الوقت لا يتسع لأكثر من الوجبتين الرئيسيتين؛ الإفطار والسحور.
وقد يساعد الحجر الصحي الذي نعيشه هذه الأيام -عجل الله في تصرم أيامه- في التقليل من الأكل والشرب، فلا مآدب ولا دعوات ولا ولائم. وقد اعتادت معظم الأسر فيما مضى من أيام على التقليل من الوجبات السريعة غير المفيدة وبالتالي فقد استعادت الأسر ثقتها في قدرتها على إعداد ما تحتاج إليه من طعام، والاستغناء عما يجلب من الخارج، ولم يبق إلا أن تولي حرصها على أن يكون ما تعده غذاء صحيا قليل الدهن والملح والسكر.
من أعظم ما أنعم الله به على عباده الطعام والشراب؛ اللذان جعلهما غذاء للجسد لكي يقوم الإنسان بمهامه ووظائفه، إلا أن تجاوز الحد في الطعام والشراب يقلب النعمة نقمة، والصحة سقما، ويخالف مقصود الشارع من فرض الصيام، إذ يؤثر الطعام الزائد على نشاط المرء وحيويته؛ وبالتالي يضعف قدرته على أداء العبادة والطاعة.
وما أجمل التزامنا بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوجيهات نبينا الكريم في أمور حياتنا كلها، ومنها آداب الطعام والشراب، فعن المقدام بن معدي كرب: «ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا مِن بطنٍ، بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ، فإن كانَ لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ». (صحيح الترمذي).
إن الإسراف والتبذير في كل شأن من شؤون حياتنا سلوك مذموم، فكيف إذا كان هذا الإسراف في الغذاء الذي هو أساس الحياة، وكيف إذا علمنا أن ما يفيض على حاجتنا من طعام يتمناه غيرنا، بل قد يكون سبباً لحفظ حياتهم.
من الناس من يقضي فترة المساء في تناول مختلف الأطعمة والأشربة، وكأنهم في الليل ينتقمون لأنفسهم من الجوع الذي أصابهم في النهار، وربما أكلوا في شهر الصيام أضعاف ما أكلوا في غيره، وأمثال هؤلاء لا يستفيدون من الصوم الفائدة المرجوة، ولا يحققون أهدافه النبيلة.. وقد أجاد في وصفهم الشاعر معروف الرصافي بقوله:
وأغبى العالمين فتى أكول
لفطنته ببطنته انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري
لصمت فكان ديدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم
تكاثر في فطورهم الطعام
فإن وضح النهار طووا جياعا
وقد هموا إذا اختلط الظلام
وقالوا: يا نهار لئن تجعنا
فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا متخمين على امتلاء
وقد يتجشؤون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض
ألا ما هكذا فرض الصيام
وما أصدق من قال في الواحد منهم: «قبل الإفطار يشعر بمعاناة الفقير، وبعد الإفطار يشعر بمعاناة الحامل»!
** **
- سعد عبدالله الغريبي