م. خالد إبراهيم الحجي
لقد حدث منذ ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) نقاشات واسعة وكثيرة، وجدل كبير حول كيفية مواجهته والتعامل معه، ولكن سريعًا اكتشفت دول العالم أنهم أمام فيروس عديم الرحمة قاتل لا قِبل لأحدٍ بمواجهته؛ فأخذ الجميع يهرب منه عن طريق غسل اليدين باستمرار، ولبس الكمامات، والتباعد الاجتماعي، والحجر المنزلي، وحظر التجول، والعمل عن بعد. وفي الدول العربية والإسلامية كشفت هذه الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية للهروب من الفيروس المستجد عن إمكانية توحد الكلمة، وتجاوز الخلافات الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية الموجودة فيها. فمن الجانب الديني اجتمع رجال الدين على كلمة واحدة بإغلاق دور العبادة المختلفة. ورأى أهل الذكر أن الاستشارة العلمية تعد من النصائح الدينية كما جاء في القرآن الكريم {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل: 43). وأفضل أهل الذكر هم أهل القرآن العظيم الذين قالوا بجواز إغلاق المساجد مؤقتاً، وإيقاف صلاة الجماعة لحماية المصلين من انتشار العدوى بينهم.. وفي الجانب الاجتماعي: برهنت جائحة كورونا على قدرة المجتمعات المختلفة على تجاوز جميع الاعتبارات العرقية، واختلافات الجنس واللون والدين بين شعوب العالم، والهروب معاً من الفيروس المستجد.. وفي الجانب الثقافي: ذابت الفوارق، وتلاشت الخلافات، واتحدت الشرائح الثقافية المختلفة من علمانيين يؤمنون بفصل الدين عن الدولة، وليبراليين يؤيدون المساواة بين الجنسين، ومتدينين متزمتين يقاومون التغيير ويرفضون الحداثة، وسلكوا جميعاً طريق الهروب من الفيروس المستجد.. وفي الجانب السياسي: استجابت الشعوب لتعليمات الحكومات لمكافحة الفيروس بيولوجياً وليس سياسياً؛ لأن الجميع يتعرض للهجوم من قبل فيروس خطير قاتل. ونقطة انطلاقنا الأساسية هي محاولة البقاء على قيد الحياة.. ولابد من اتخاذ موقف الإنسان العاقل للقضاء على هذا الفيروس الذي قيد الحياة في جميع دول العالم، وشل حركتها، ودمر اقتصاداتها، وأصاب ملايين البشر وقتل الآلاف منهم، ووقفت الدول العظمى بكل ما تملك من تقدم علمي وتطور تكنولوجي أمام هذا الفيروس المجهري حائرة وعاجزة، مكتوفة الأيدي لا تدري ماذا تفعل؛ فجعل رئيس وزراء حكومة إيطاليا عاجزاً عن الكلام أمام الإعلام، بعد أن قتل فيروس كورونا أكثر من 27 ألفًا من الإيطاليين، عندما سأله أحد الصحفيين ما العمل الآن؟ فكانجوابه بنبرة مرتعشة اسألوا السماء.. وربما أن المنحة الإلهية التي أرادها الله سبحانه وتعالى من جائحة كورونا هي تذكير سكان الأرض بحاجتهم إلى السلوك العقلاني المسؤول، واتخاذ الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي تحافظ على حماية النظام البيئي، وسلامة كوكب الأرض من أضرار التلوث، فقد أعلنت هيئة ناشونال جيوجرافك، وهي هيئة عريقة تهتم بسلامة كوكب الأرض، أن فيروس كورونا غيَّر سلوك شعوب العالم؛ فأنقذ كوكب الأرض، بعد ما أوشك أن تحل به كارثة، بسبب التلوث الناتج من دخان السيارات والقطارات والسفن والطائرات والمصانع. وأوضحت أن الأرض تنفست بشكل كبير، بعدما توقفت الحركة بجميع أشكالها في معظم دول العالم، وأن ثقب الأوزون قد التأم، وتحسنت جودة الهواء بعد أن اختفى التلوث وانقطعت الانبعاثات الكربونية في 337 مدينة في دول العالم..
بلا شك أن هذه الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي تم الإعلان عنها في جميع دول العالم لمنع انتشار الفيروس المستجد واحتوائه، مثل: ممارسة البابا للعزل الذاتي، وتوقفه عن أداء صلوات الجماعة، وإغلاق أقدس موقعين إسلاميين الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ستحتل مكانًا أكبر بكثير في ذكريات الشباب، وتؤدي إلى ربط مفاهيم العبادات الدينية مع الابتكارات العلمية والاختراعات مرة أخرى، ومن أمثلتها التالي:
(1): تعميم استخدام حساسات ضوء الليزر لتشغيل حنفيات المياه في دورات المياه للمساجد والأماكن العامة، دون الحاجة إلى لمسها باليد. وإنتاج سجادات للصلاة صالحة للاستخدام مرة واحدة في المواقف التي يتأخر فيها الفرد للصلاة، ويجد نفسه يندفع بأقدام مبللة، بعد أداء الوضوء بسرعة، للحاق بالركعة في الصلاة.
(2): استبدال المقابض التقليدية للأبواب الداخلية وأبواب الأجهزة المختلفة، مثل: الثلاجات في السوبر ماركات بمقابض مبتكرة، تفتح الأبواب بالمرافق، بدلاً من فتحها بالكفين التي تنقل الفيروسات. وتعميم الأبواب الأوتوماتيكية التي تنفتح تلقائياً عندما يريد الناس الدخول أو الخروج في المساجد وجميع الأماكن العامة.
(3): تسريع تنفيذ برامج الطاقة المتجددة في تشغيل المصانع، واستخدام الطاقة الكهربائية في وسائل النقل الخاص والعام لإيقاف الانبعاثات الكربونية، ونشر الوعي بأهمية حماية النظام البيئي وأن فوائده تعود على البشرية أجمع.