الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الإسلام يدعو إلى مكارم ومعالي الأخلاق، ويحث على تجنب السلوكيات السيئة المشينة ومنها الظن السيئ بالآخرين. «الجزيرة» طرحت قضية الظنون السيئة على عدد من الأكاديميين المتخصصين في العلوم الشرعية، وذلك لمعرفة الآلية المناسبة لتطهير المجتمع من هذه الآفة التي تفشت مع ثورة الاتصالات الحديثة، وكانت الحصيلة التالية:
دراسات علمية
بدايةً يوضّح الدكتور عبدالله بن محمد الجارالله رئيس الهيئة الإشرافية بالمركز الخيري لتعليم القرآن الكريم وعلومه بالمدينة المنورة، رئيس اللجنة الاستشارية للإقراء بالمسجد النبوي الشريف، أنّ سوء الظنّ، وامتلاء القلب بالظّنون الكاذبة بالناس، من الأخلاق الذميمة، التي تضعف العلاقات الاجتماعيّة، وتقطّع أواصر المَحبّة، وتفشي السّوء والبغضاء بين أفراد المجتمع، كما أنَّه يورث الإنسان الأخلاق السيئة؛ كالجبن، والبخل، والشّحّ، والحقد والحسد، ويزرع الشقاق بين المسلمين، ويقطع حبال الأخوّة، ويمزّق وشائج المحبة، ويزرع العداء والشحناء، مع ما يتركه من آثار سيئة؛ من التجسس وانتهاك خصوصيات الناس وأسرارهم. وإذا رأيت إنساناً يسيء الظنّ بالنّاس ويطلب عيوبهم فإن ذلك علامة على سوء سريرته، وابتعاده عن دائرة الإيمان إلى دوائر النفاق، فإنّ المُؤمن يطلب المعاذير، والمُنافق يطلب العيوب, فسوء الظن من مداخل الشيطان الموقعة في كبائر الذنوب، ولقد انتشر هذا الخلق الذميم وعمَّ وذاع مع الانفتاح الكبير في عالم الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى إنَّ الدراسات الحديثة في الطب النفسي أظهرت ارتفاع المصابين بأمراض سوء الظن والشك وعدم الثقة بالآخرين.
ومن هنا فقد عُني القرآن الكريم بتوجيه المؤمنين إلى اجتناب سوء الظنّ بالآخرين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا (12) سورة الحجرات، كما تواترت الأحاديث الشريفة في التحذير من هذه الآفة القبيحة, واجتمعت عبارات العلماء على ذمها والتحذير منها. ولا شك أن من أنجع الأدوية التي تساهم في مواجهة هذا الخلق الذميم والتخلص منه هو تذكير الناس بالأدب القرآني الرفيع الذي دلنا عليه القرآن الكريم، وهو التبين والتثبت وعدم الاستعجال في الحكم على الناس وتصنيفهم. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) سورة الحجرات. ففي هذه الآية الكريمة إرشاد وتوجيه إلى هذا الخلق القويم الذي ينبغي على المؤمن أن يتحلى به وينتبه إليه، كما أن هذا الإرشاد القرآني يضفى الكثير من الأمان الاجتماعي وصفاء القلوب، ويشيع الاطمئنان في المجتمع المسلم، فتنتشر فيه روح الألفة والمحبّة ومكارم الخلق الرشيد.
تهذيب الأخلاق
ويؤكد الدكتور صالح بن عبدالعزيز التويجري أستاذ العقيدة المشارك بجامعة القصيم أن الأخلاق هي القيم التي جاءت بها الشريعة وتحلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) سورة القلم، وكما قالت عائشة رضي الله عنها «كان خلقه القرآن»، والأمة الإسلامية تعيش منذ ذلك التاريخ تعبئة شرعية نظرية وعملية فيما يتعلق بتوكيد الأخلاق الإسلامية والقيم، وحسن الظن خلق عظيم ولا يتحلى به إلا طيب النفس أما سيئ الظن بالآخرين فإنه إنما يعبر عن هواجسه وظنونه (إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما اعتاده من توهم)، ولذلك الكفار لما ساءت أفعالهم ساء ظنهم برب العالمين وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ (23) سورة فصلت، ولأنهم لا يظنون خيراً بربهم بسبب أعمالهم فإن الله -عزّ وجلّ- أخبر أنه مع عبده فإن ظن به خيراً وجده، وإن ظن به غير ذلك وجده، ويتحلى الناس بالخلق النبيل وحسن الظن إذا عودناهم على الوضوح وهو المكاشفة لأن الغموض أو الاستغماض أو التدليس سبب لأن يظن الناس بك غير ما أنت عليه، ولذلك لو عودنا أنفسنا وأهلينا ومن حولنا على الوضوح فيما هو من حق الناس وليس في الخصوصيات لأن لكل إنسان دائرة معينة من الخصوصية لا يطالب بكشفها، ولكن فيما يتعلق بالناس وبالآخرين مثلاً أنت مع زوجتك ومع أولادك في ذهابك في إيابك علاقاتك التي تخصهم لابد أن تكون واضحاً الدول والحكومات فيما يتعلق بالأمن، بالصحة، بالاقتصاد هذا كله لابد أن تكون واضحاً لكي لا يتخبط الناس في الظنون والأوهام ثم بعد ذلك يحاصرون الحقيقة لتخرج على ألسنة غيرهم.
من الأشياء التي ينبغي أن نؤكدها فيما يتعلق بحسن الظن هو أن لا يظن بالإنسان سوءً وهو محلٌ للخير، سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «من أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرتي حسنة». لا تضع نفسك في مواضع الريب وأماكن التهم ثم تقول للناس لا تسيئوا بي الظن، إنما ينبغي على الإنسان هو أن يبتعد عن أماكن الريب وأن يكون واضحاً في سلوكياته وفي أعماله وفي عباراته ثم بعد ذلك لن يجد من يسيء الظن إلا من تقصده كيداً وحسداً وهذا مكشوف، لأن هناك أناساً سيظنون بك سوءً وأنت ذاهبٌ إلى المسجد يظنون بك سوءً وأنت تمارس صدقه.. ويبق الأمر ما زال مفتوحاً لمؤسسات تمارس أنشطة تدرب الآخرين على ممارسة القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة.
التبين من الفاسق
ويشير الدكتور سليمان بن صالح القرعاوي أستاذ الدراسات الإسلامية السابق بجامعة الملك فيصل بالإحساء، إن القرآن الكريم رصد وسائل يدعو الناس فيها أن يجنبوا ألسنتهم الظن السيئ بإخوانهم المسلمين فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (12) سورة الحجرات، وقال: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا} (36) سورة الإسراء، كل ذلك لا يمنع من وجود أناس همهم خلق عداوة بين الناس بعضهم بعضاً؛ ولذلك نهى الإسلام عن الاستماع للفاسق فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات، وقال سبحانه مؤكداً على عظم النيل من أعراض الناس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات، وحقيقة أن الإنسان له كرامة لا يرضى أن يتعرض للأذية بالقول باللسان ولذلك أكرم الله هذا الإنسان فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء، كما وردت أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ملخصها أهمية كرامة الإنسان منها: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله).. الحديث، لذا كان التمسك بمعالي الأخلاق مطلب مهم في الإسلام؛ فلنكن أولئك القوم.