د.عبدالعزيز الجار الله
العديد من مدننا نشأت في البدايات الأولى قبل توحيد المملكة 1932م، التوحيد الذي أخذ شكله الحالي وليس المرحلي، الذي تم من منطقة إلى منطقة، واكتمل في الثلاثينيات من القرن العشرين، بين الحربين العالميين، الأولى التي انتهت 1918م، وبداية الحرب العالمية الثانية 1939م، التي عرفت فيها السعودية الاستقرار والتوطين الحديث الأول في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وبداية التنمية الحضارية، وظهور المدن الحضارية الجديدة والطراز العمراني لمدن الجزيرة العربية في طرازها الحديث.
واستمر طراز العمارة العربية وطراز غربي آسيا المتأثر بعمارة حوض البحر الأبيض المتوسط في عهد الملك سعود -رحمه الله-، وبداية عهد الملك فيصل -رحمه الله- في الستينيات الميلادية قبل أن يصبح طرازًا أوروبيًّا.
وفي مرحلة التأسيس الأولى في عهدَي الملك سعود والملك فيصل -رحم الله جميع الأموات- نشأت أحياء سكنية، أو تجمعات لسكان قرب المواقع الاستراتيجية وأماكن العبادة والأماكن الحضارية، ومنشآت مرافق الخدمات العامة، مثل الوزارات والمطارات وسكك الحديد والحراسات، ومنها المشاعر المقدسة في مكة والمدينة المنورة. أحياء سكنية غير مرخصة من البلدية، وليست منح أراضٍ من الدولة، وإنما تمت إقامة مساكن دون موافقة أي جهة. ففي البداية كانت مكونة من الأعشاش والصفيح، ثم من الطين، ثم من البلوك والأسمنت من دور واحد، وأصبحت من المساكن المسكوت عنها، وتم إيصال الكهرباء والماء لها، ونشأت حولها بعض المرافق العامة كالمدارس والمساجد والمستوصفات الطبية وبعض خدمات البلدية، وأُطلق عليها أحياء العشوائيات، والأحياء المغتصبة؛ لأنها تمت بوضع اليد، وليس بها صكوك تملك.
تنبهت البلديات في بداية السبعينيات الميلادية زمن الطفرة الاقتصادية والتنموية الأولى إلى أن هذه العشوائيات تحتل مواقع استراتيجية من المدن، وليست نائية، وتشوه الوجه الحضاري للمدن، وتحولت بعد رحيل بعض سكانها إلى بؤر للأمراض والجهل، وملاذ ومَوطن للمخالفين لأنظمة الإقامة، ومَوطن لبعض الجرائم والفساد والمخدرات. كما أن أحياءها وأزقتها الضيقة لا تسمح بمرور سيارات الدفاع المدني والإسعاف؛ فهي متلاصقة، وشوارعها ترابية، والسكن فيها غير صحي.
وفي ظل هذه الفوضى العمرانية بدأت البلديات في إزالة بعضها، ومنح أهاليها أراضي بعيدة عن الموقع، وتعويضات مجزية لسكان العقارات في معظم مدن المملكة، وتحويل بعضها إلى مساكن حديثة، وإعادة السكان إليها. لكن الأنسب حضاريًّا وأمنيًّا إعادة تصميمها وتطويرها إلى: حدائق وساحات مفتوحة ورياضية، وميادين وأسواق تجارية، ومواقف ومرافق عامة للدولة، خاصة القريبة من المشاعر المقدسة، والمواقع الاستراتيجية في المدن الكبرى.