سمر المقرن
في العفو لذة يتذوَّقها أصحاب القلوب الكبيرة، وفي الانتقام حسرة يعانيها الضعفاء. والتسامح فن اقتصاد القلب، فهو يوفر تكاليف الكراهية وإزهاق الأرواح وسهر الليالي مكتئباً حزيناً، وكما قال حكيم: (التسامح هو العبير الذي يصبه البنفسج على القدم التي سحقته).. فهو فعل نبيل لا يعرف وطناً ولا لغة، وهو مرهون بالعفو عند المقدرة وليس بذلك الذي يخلقه العجز أحياناً. فتسامح واعف عمَّن أخطأ في حقك، وبنشر هذا المفهوم النبيل يدرك الناس أنك بالتسامح لست مخلوقاً ضعيفاً كلا فهو من شيم الكرام النبلاء ولا يفعله إلا أقوى الأقوياء، رغم أنه ليس هيناً فهو -قد- يُدخل الإنسان المتسامح في معارك عاتية مع حب الانتصار والرغبة في الانتقام وفش الغضب، ولو أنتصر التسامح لتغيَّر وجه حياتنا وهزمنا مشاكلنا جميعاً، وما ركنا لليأس في شؤون حياتنا ولا في أي موقف نواجهه. لأن رصيد التسامح يقوّي الأرصدة الإيجابية الأخرى في مواجهة مصاعب الحياة، ولو انتصرت الكراهية والغضب على التسامح يوماً فهذا انتصار زائف لا يؤذي فيه الإنسان إلا نفسه، كمن يحتسون السم وهم يتخيلون أنهم ينتقمون من غيرهم!
ثمرة التسامح تعلمون عظيمة جداً، فهي تقي الإنسان من شرور الغضب والكراهية والانفعالات الشديدة التي قد تصيب الإنسان بأمراض نفسية وعضوية كثيرة منها الضغط العصبي والاكتئاب وأمراض القلب والشيخوخة المبكرة. الإنسان المتسامح يظل شاباً مدى الحياة ولو تجاوز سن الثمانين، بل إن الآثار النفسية الإيجابية للتسامح ستقوِّي المناعة وتحافظ على الصحة وتمنح الشخص الشعور بالسكينة والرضا عن النفس، بل إن المتسامح سوف يوفر الملايين لبلده عندما يرحم المحاكم من آلاف القضايا التي يتنازعها غير المتسامحين -غالباً- وسوف تخف الضغوط عن كاهل المستشفيات المكتظة بضحايا عدم التسامح. وأثق لو تم العمل على دراسات اقتصادية تحت مسمى (خسائر عدم التسامح) لوجدنا قيمتها بالمليارات!
أعلم أننا عندما نسترجع شريط ذكرياتنا سنجد مواقف مؤذية كثيرة تعرضنا لها لم نتمكَّن من نسيانها أو غفرانها في صورة إنسان ربما لطمنا يوماً أو آذانا بأي صورة وحان موعد الغفران، فنتصدق بأعراضنا لله ثم لأنفسنا، ونغفر لهم ونبدأ حياة جديدة.