عبد الاله بن سعود السعدون
جاءت عملية منح الثقة بوزارة السيد مصطفى الكاظمي بتكهنات عديدة من قِبل أبناء الشعب العراقي؛ وذلك لتردد القائمة السياسية الأكبر عددًا في البرلمان، التي توصف بأنها ممثلة للبيت الشيعي، وتضم معظم الأحزاب والكتل السياسية المذهبية، وترتبط بعلاقة صداقة وولاء لإيران، كما تدعمها مليشيات عسكرية ولائية، تدين بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، وكانت معارضة لترشيح السيد الكاظمي لتولي منصب رئيس مجلس الوزراء، وتصفه بأمريكي الولاء والاتجاه السياسي؛ وهو ما يشكل خطرًا على نفوذها داخل سلطة الدولة، ومجيئه للحكم قد يضعف من متانة العلاقة الحالية مع جمهورية إيران التي تعتبر هذه المليشيات الركيزة الداعمة لنفوذ النظام الإيراني في جسد الدولة العراقية.
وبعد حصول وزارة الكاظمي على الثقة البرلمانية إثر مفاوضات صعبة مع ممثلي الكتل السياسية الشيعية والكردية في البرلمان، واعتراضهم على خمسة مرشحين من وزارته، تم رفضهم، إلا أن العقبة الدائمة في المحاولات السابقة لوزارات المالكي والعبادي، المتمثلة بوزارتَي الداخلي والدفاع، مرت بوزارة الكاظمي بيسر وسرعة فائقة لتوافق جميع الكتل السياسية على تمرير الفريق عثمان الغانمي وزيرًا للداخلية، والفريق جمعة عناد الجبوري وزيرًا للدفاع، وهما من الضباط المهنيين، ولهم بصمات ثابتة في تشكيل الجيش العراقي الجديد، ويحظون باحترام شعبي وسياسي..
كما تضم وزارة الكاظمي شخصيات أكاديمية مستقلة، كوزير التخطيط عميد جامعة الأنبار الدكتور خالد بتال نجم، ووزير المالية الدكتور علي علاوي الشخصية المستقلة الذي يعتبر خبرة مالية لعمله فترة طويلة مع البنك الدولي. وجاء اختيار الوزيرة الكردية نازنين شيخ محمد لحقيبة الإسكان والإعمار، إضافة مهنية لوزارة الكاظمي لخبرتها الواسعة في تنفيذ مشروع إسكان إقليم كردستان، التي تركت بصمات إيجابية في القضاء على أزمة الإسكان في جميع مدن إقليم كردستان العراق. وتلقى الوسط الرياضي العراقي تقديرًا خاصًّا في وزارة الكاظمي باختيار لاعب كرة القدم عدنان درجال وزيرًا للرياضة، وبقيت وزارتا النفط والخارجية شاغرتين للخلاف مع الكتلة الكردية التي تطالب بأحدهما كاستحقاق لمكونها الذي يمثل العمود المؤثر في مثلث السلطة في العراق.
ترتكز حكومة الكاظمي على برنامج وزاري، يهدف لتثبيت السيادة الوطنية على الأرض العراقية من الفاو حتى جبال دهوك في الشمال، وأن تكون الإرادة العراقية في خدمة المصالح العراقية العليا، ولا ترضى أن تكون مسرحًا للنزاعات الإقليمية والدولية، وتتجه جهودها لمكافحة وباء كورونا، والعمل بالتعاون مع المؤسسات الدولية لمساعدة شعب العراق، وإنقاذه من تهديد فيروس كورونا للمواطنين العراقيين. وقد تعهد الرئيس الكاظمي بالعمل على إجراء انتخابات مبكرة، يشترك بها كل المواطنين بحرية وشفافية، ومشاركة واسعة من أبناء الشعب العراقي؛ ليستطيع مع نتائجها الخالية من التزوير ظهور تشكيلة سياسية وطنية جديدة، تخدم الوطن العراقي، وشعارها (من أجل العراق أولاً). وتعمل الوزارة الجديدة لإنهاء مأساة المهجرين والمهاجرين خارج الوطن بالعمل الجاد على عودتهم إلى مدنهم وقراهم، وتهيئة الخدمات العامة من سكن وصحة وتعليم لكل المواطنين في العراق. وقد تجابه السيد الكاظمي صعوبات ومعارضة جادة حين تصديه للفساد المنتشر في جسد مؤسسات الحكومة؛ وذلك لعمق نفوذ الدولة العميقة في تلك المؤسسات الحكومية المدعومة من مليشيات مسلحة، وذات نفوذ سياسي ظاهر. وتنطبق هذه المعوقات أمام الكاظمي في حالة تحديد حمل السلاح بيد القوات الأمنية والعسكرية التابعة للدولة، وجمعه من المليشيات المسلحة التي ستدافع عن موقعها المتنفذ في السلطة الحكومية. ومجابهتها أمر صعب، قد يعكر العلاقة مع النظام الإيراني وحرسه الثوري (المرجع الرئيسي الممول لهذه المليشيات المتسلطة على حياة المواطن العراقي، والناهبة لخيرات وأموال الدولة العراقية). ومواجهة الكاظمي لوجودها وتجريدها من السلاح تجعله أمام امتحان وطني مهم.
وجاء البرنامج الوزاري لحكومة الكاظمي بالعمل الجاد باتباع سياسة خارجية متوازنة في علاقات العراق الخارجية، والعمل على إيجاد مناخ من التعاون والاحترام لعلاقات بلاده بجواره الإقليمي مبنية على المصالح المشتركة، وحسن الجوار، واحترام المواثيق الدولية والنأي بالتراب العراقي عن أي نزاع مسلح إقليمي ودولي. ومما سيوثق علاقات العراق بجيرانه التهاني والتبريكات الرسمية من كل الملوك والرؤساء من دول الخليج العربي؛ إذ أبدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - أيده الله - مبادرتهما الكريمة بتهنئة السيد مصطفى الكاظمي، وتمنياتهما لشعب العراق العربي الشقيق بالأمن والازدهار، مع عرض سبل التعاون العراقي السعودي لتحقيق أماني وتطلعات الشعب العراقي في حياة آمنة مزدهرة. وأبدى الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، والملك عبدالله الثاني ملك الأردن، وكذلك دولة الكويت والإمارات العربية المتحدة، والعديد من رؤساء الدول الإقليمية والدولية، التهاني مع إبداء النية الصادقة في دعم جهود حكومة الكاظمي في تحقيق برنامجه الوزاري من أجل خير الشعب العراقي الذي ينتظر المستقبل القريب لنتائج إجراءات هذه الحكومة الجديدة التي جاء تشكيلها تحت ظروف صعبة، رافقتها أزمة صحية واقتصادية متمثلة بانخفاض أسعار البترول، والعراق دولة ريعية، تعتمد ميزانيته على واردات بيع البترول. وهناك ملف خطر على مستقبل هذه الوزارة الحديثة، يعنون تحت اسم الشعب الغاضب والمنتفض على فساد وتسلط الكتل السياسية المذهبية التي نهبت ثروات العراق منذ الغزو الأنجلو أمريكي عام 2003م حتى يومنا هذا، ودماء المتظاهرين هي السبب الأول بمجيء وزارة الكاظمي، فهل تحقق هذه التشكيلة الوزارية الجديدة أماني وآمال الشعب العراقي الذي بذل الأرواح، وتلقى رصاص المليشيات بصدر شجاع من أجل إنقاذ شرف الوطن والعَلَم العراقي من التحكم الإقليمي والدولي، وتحرير سيادته وقراره الوطني؟