عبده الأسمري
اتخذ من الإحسان أساسًا للعلا، ومن الإنسان أصلاً للمعالي؛ فكان الوزير الحاني، والمسؤول المتفاني الذي ربط «القرار» بالعطف، وقرن «التطور» بالشغف؛ فرسم مشاهد «المسؤولية» في مجال «الاحتياج»، وكتب معالم «المهنية» في قطاع «الإعانة».. فكان «قياديًّا» برتبة أبٍ، و»رياديًّا» بمرتبة محب..
إنه وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق الدكتور عبدالمحسن العكاس -رحمه الله- الذي شارك في مسيرة «التنمية»، وفي سيرة» الإنسانية».
بوجه حساوي، تشع منه معاني «الحنان»، وترتسم عليه ملامح «العرفان»، وعينَين واسعتَين، تشعان بالإنصات من خلف عدسات طبية لا تفارقه، وتقاسيم شرقاوية مفعمة بالطيبة، ومشبعة بالهيبة، مع كاريزما خليطة بين الجد والود، وأناقة وطنية تعتمر البياض والبشوت الملونة، وهندام أنيق، مع صوت جهوري، تطغى عليه اللهجة الحساوية المحببة في مجالس الأقارب والأحباب، وتتقاطر منه اللغة الرسمية المسبوغة بعبارات «الحنكة» واعتبارات «الحكمة» في قاعات الاجتماع، ولكنة مسجوعة بتفاصيل «الخبرة» ومفصلات «القدرة»، وخطاب إنساني في منصات «التنوير»، واعتبار إيماني في توجيهات «التطوير»، قضى العكاس من عمره سنوات وهو يدمج «القرار» الوزاري بالاستقرار المجتمعي، ويمزج الاقتدار الذاتي بالاعتبار الاجتماعي بانيًا صروحًا من الأثر أمام بصر «التأثير» في سيرة وزارية وتنموية، تجللت بالاعتزاز، وتكللت بالامتياز في فنون «القيادة»، ومتون «التخطيط»، وشؤون «التوجيه».
في الأحساء الشهيرة بزف النبلاء وُلد وتعتقت روحه صغيرًا بمواسم «الطيبين»، وتشربت نفسه مراسم «اليقين»، وانتشى صغيرًا «رائحة» الطين في واحات قريته الخضراء مطلقًا ساقيه مع أقرانه، مراقبًا نتاج «المزارعين»، ثاويًا يراقب مغانم «التفاصيل» في إنتاج المحاصيل؛ فانخطف صغيرًا إلى «روح» البساطة في مرابع العشيرة، وانجذب إلى «بوح» الوساطة في وفاء «الجيرة» مستلهمًا من والده «حب» المساكين، ومتشربًا من والدته «عشق» الخيرات؛ فكبر وفي قلبه «مواويل» الطفولة، وفي وجدانه «تراتيل» البراءة؛ فظل يكتب على رمال الواحات «أمنيات» الصغر، وينسج في أفعال «المواقف» طموحات الكبر؛ ليكون «المشروع» الذي راهنت عليه «بصائر» المقربين، وشهدت لعواقبه «مصائر» المستقبل.
تبصر العكاس صغيرًا في «محافل» المبتعثين؛ فانعكست على وجهته؛ إذ أنهى تعليمه العام بتفوق، وشد الرحال إلى أمريكا تاركًا بين عائلته «ذكريات» البروفات التي كان يلقيها صغيرًا متحدثًا عن «سمو علمي»، سيجنيه من أواخر القارات؛ ليهدي «محبيه» بشائر الكفاح؛ إذ حصل على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة واشنطن سياتل، ثم الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة نفسها، ثم عاد إلى أرض الوطن وفي يمناه «وثائق» الاعتبار، وفي يسراه «طرائق الاقتدار».
وجّه العكاس بوصلته إلى أرامكو «العريقة» معقل الباحثين؛ إذ عمل ورسم خرائط من الإبداع فيها حتى نادته شركة «ستاندرد أوبل» في سان فرانسيسكو لمدة عام للعمل في إدارة السياسات، وعُين أستاذًا في جامعة الملك سعود إلى جانب عمله الاستراتيجي في عدد من الشركات والمجموعات الاقتصادية والجهات الحكومية، وتم تعيينه عضوًا لمجلس الشورى عام 1422، وشغل منصب نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، ثم وزيرًا للشؤون الاجتماعية عام 1425، ومكث فيها حتى عام 1429.
نجاحات وامتيازات، سجّلها العكاس في حقيبته التخصصية؛ إذ برع في كل المجالات التي عمل بها، وسجل في حقبته الوزارية عددًا من الأولويات، تمثلت في إنشاء وحدات للحماية الاجتماعية بمناطق عدة، ورفع دعم الجمعيات الخيرية عددًا وتمويلاً، وفتح أول مكتب للضمان الاجتماعي النسوي، وكان همه «الفقراء»؛ إذ رُفعت القروض الخاصة بالإنتاج والمنح لملايين الريالات، وأسهم في تخصيص وتأمين سيارات للمعاقين مسجلاً بصمات ذهبية في خارطة ذهنية، تشكلت بخطوط «المعرفة» وحدود «الفارق».
توفي -رحمه الله- إثر أزمة قلبية في مارس عام 2012، ونعته القلوب قبل الصفحات، وودعته كفوف المحتاجين، وشيعته صفوف المحبين، ونعته حروف المرافقين.
عاش لين الجانب، ودود الجناب، لطيف المعشر، نظيف اليد، شفيف الرؤى. امتطى صهوة «الصفاء»، واعتلى حظوة «الوفاء» راكضًا بخطوات «النقي»، ماضيًا بخطى «التقي»، حاصدًا «السبق» في مشارف «الخطط»، مخلفًا «العبق» في مآثر الحسنى.
ما بين العطايا والخبايا ترك العكاس انعكاساته كمرآة صادقة في أفئدة «المساكين» و«المتعبين»، وأبقى حسناته معايير سامقة في أرصدة «المراقبين» و«المتابعين».
رحل عبد المحسن العكاس جسدًا، وبقى «رمزًا» في إضاءات «المؤثرين»، و«عزًّا» في إمضاءات «المحسنين».