عبدالعزيز السماري
مما لا شك أن الآثار الاقتصادية لوباء الكورونا ستكون كارثية في مختلف أنحاء العالم، وربما سيأتي يوم نشعر فيه أن العالم عاد إلى الخلف عشرات السنين، فالتداعيات الاقتصادية تتجاوز الحسابات، حيث تواجه العديد من البلدان صدمة اقتصادية أكثر عمقًا ووحشية مما كانت عليه في السابق.
في قطاعات مثل البيع بالتجزئة، التي تتعرَّض بالفعل لضغوط شديدة من المنافسة عبر الإنترنت، قد يكون الإغلاق المؤقت نهائيًا، ولن يتم إعادة فتح العديد من المتاجر، وستفقد وظائفها بشكل دائم، وسيواجه ملايين العمال وأصحاب الأعمال الصغيرة وعائلاتهم كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، وكلما طالت مدة الإغلاق عالمياً، كلما كانت الآثار الاقتصادية أعمق، وأبطأ التعافي.
العديد من الوظائف ذات الأجور المنخفضة، والمهارات المنخفضة، والخدمة الشخصية، خاصة تلك التي تقدمها الشركات الصغيرة، لن تعود مع التعافي النهائي. ومع ذلك، سيزداد الطلب على العمال الذين يقدّمون الخدمات الأساسية مثل الشرطة، وإطفاء الحرائق، والرعاية الصحية، والخدمات اللوجستية، والنقل العام، والطعام، مما يخلق فرص عمل جديدة ويزيد الضغط لزيادة الأجور وتحسين المزايا في هذه القطاعات ذات الأجور المنخفضة تقليديًا.
الخطر الحقيقي هو أن هذا التحول مضاد تماماً لحركة العولمة من قبل الناس والشركات، وسوف يستغله بعض صانعي السياسات من أجل زيادة المخاوف بشأن الحدود المفتوحة، وبالتالي يمكنهم فرض قيود حمائية على التجارة تحت غطاء الاكتفاء الذاتي، ومن ثم تقييد حركة الأشخاص بحجة الصحة العامة، وربما تتفشى بطالة مدمرة للبنى التحتية، وإذا لم يتحرّك العلماء لمواجهة الوباء من خلال فرز الحقيقة من الخيال والأساطير، ستتدهور اقتصاديات الدول الناشئة أكثر من غيرها، وستعاني سنيناً طويلة من أجل الرجوع إلى الحالة الطبيعية..
الكارثة أن الوباء تم التعامل معه بصورة أكثر قسوة من جميع الأوبئة السابقة، والتي مرّت مرور الكرام، رغم من وفياتها العالية في بعض الدول، لكن لأسباب لا أعلمها كان التعامل مع هذا الوباء اقتصادياً، وليس فقط اجتماعياً، فقد دمر الأعمال الصغيرة، وسيغيِّر من تركيبة المجتمعات ما لم تخرج العقول من مخابئها.
الخاسر الأكبر في هذه القضية هو العلم، فقد ظهر ضعيفاً ومرتبكاً أمام الخطاب السياسي، كذلك بدأ متفاوتاً في تقييمه للأزمة، وعندما تتابع التقارير الطبية من ألمانيا وتقارنها بتلك التي تصدر من بريطانيا وأمريكا تتضح الفروقات، فالخطاب الألماني الطبي يقول إنه وباء غير خطير، بينما يتعامل معه الإعلام الأمريكي على أنه قاتل ومدمر، وقد تساءلت سابقاً عن أسباب رفع عدد الوفيات لأي سبب تحت عنوان وفيات كورونا.
على الدول الناشئة أن تتعلّم من تجارب دول تجاوزت مرحلة الخوف من الوباء مثل كوريا الجنوبية ودول شمال أوربا والأردن، فالعمق الحقيقي في الأزمة هو معيار الخوف والهلع بسبب عدم اليقين حول ماهيته، لأن الإنسان دائماً عدو ما يجهل..