د. محمد عبدالله العوين
ليس لدي أدنى شك في أننا سنخرج قريبًا جدًّا من أزمة كورونا وتداعياتها على اقتصادنا بنجاح وبلا خسائر تذكر، بل إننا كسبنا من مواجهة الجائحة فوائد عدة، من أهمها:
تلاحم أبناء هذا الوطن مع قيادتهم، واستجابتهم بكل قناعة وطواعية وتفاعل مع الأوامر والتوجيهات التي تصدر من الجهات المختصة في وزارتَي الصحة والداخلية. لقد تجلى معدن الشعب السعودي الأصيل، ولا غرابة في ذلك؛ فالأبناء أحفاد الأجداد الذين التفوا حول قادتهم من أسرة آل سعود المباركة عبر ما يقرب من ثلاثة قرون، وعاشوا معهم في السراء والضراء، وواجهوا غزوات الأعداء الأتراك، وقاتلوا قتال الأبطال في كل شبر دنسته أقدام الغزاة؛ فلم يقر لهم قرار، ولم تؤويهم مدينة ولا دار، في كل مدينة وقرية من بلادنا العظيمة، شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، على ساحل البحر الأحمر، وفي جبال وتهامة عسير، وفي وسط نجد من الدرعية إلى حوطة بني تميم حيث دون الفرسان الأبطال ملحمة الانتصار الكبرى عام 1253هـ في الحلوة.
نحن أبناء هذه الأرض الطيبة تشربنا قيمها وأخلاقها ووفاءها ونبلها وصبرها وتمنعها على الانكسار والخوف. تعلمنا كيف نصنع من الهزيمة انتصارًا، ومن الضعف قوة، ومن الفقر غنى، ومن اليأس أملاً، ومن الصبر طاقة خلاقة، تصل بنا إلى تحقيق الأهداف العظيمة.
مرّ بنا الفقر المدقع كما مرّ بنا الغنى المترف، ومرت بنا موجات قذرة من المكائد والحروب الإعلامية والتأجيج القميء وفتل الشراك على مرّ تاريخنا السياسي، حوّلها قادتنا الحكماء العظماء الواثقون بالله إلى انتصارات وتفوّق وبناء ونهضة، وسقط المكايدون في حبائل شراكهم التي فتلوها على اختلاف توجهاتهم الفكرية وخطاباتهم الإعلامية من بعثيين وقوميين وشيوعيين، وأخيرًا إخوان متأسلمون وعملاء خونة للمستعمر القديم الذي لا يريد أن يكف أذاه ولا شره عن مأرز العروبة والإسلام.
الله أكبر..
هل يمكن أن ننسى ما كان يقصه علينا آباؤنا من حالات الفاقة والفقر حتى أكلوا ما لا يحسن أكله ولا ذكره في سنوات جائحة الطاعون 1918م/ 1337هـ؟ وهل ننسى أن آباءنا وأجدادنا كانوا يرحلون للغوص في البحرين بحثًا عن اللؤلؤ، أو يسافرون على مطاياهم إلى الشام والعراق للتجارة؟!
لقد كف بصر جدي لأمي بسبب مطاولته الغوص؛ فأثر ملح البحر على عينيه؛ وفقد بصره شابًّا. وفي طفولتي كنت أرى عمال البناء ومعهم (أستاذهم) في مدينتي الصغيرة - آنذاك - كلهم من رجال الديرة، ليس فيهم غير سعودي، يعملون في بناء البيوت، لبنة طينة، العامل منهم يأخذ اثني عشر ريالاً في اليوم، والأستاذ المعلم يأخذ عشرين ريالاً، يعملون من الفجر إلى أذان العصر. نحن شعب تعلم الصبر وتشربه، وتعلم معنى التلاحم والاستجابة لرؤية قائد الدولة؛ لأنه بتلك الاستجابة والالتفاف انتصر على مطامع الغزاة، ولأنه بذلك أيضًا حقق بناء دولة ونهضة وطن. نحن شعب يتأبى على الانكسار والضعف
.