ياسر صالح البهيجان
«الوعي والقبول خطوتان مهمتان لأي تغيير إيجابي»، عبارة صاغها عالم النفس الأمريكي ناثانيل براندن في إطار اشتغاله بالآليّات التي تساعد الإنسان على مدّ أشرعة سفنه للتحول من ضفته الحاليّة المتخمة بالتحديات إلى ضفة أفضل حافلة بالفرص. ومن محاسن الصدف أن تلك المقولة تنطبق تمامًا على واقع الدول في زمن كورونا الذي أجمع الخبراء على أن ما بعده لن يكون أبدًا كما كان قبله.
لا تزال معظم المجتمعات تعتقد بأن كورونا مجرد حالة موسمية ما إن تنتهي حتى تعود المياه إلى مجاريها بذات الوتيرة التي كانت عليها في السابق، وهذه الفكرة تنطوي على معضلتين هما عدم الوعي الكافي بحقيقة الوضع القائم، ورفض القبول بالمتغيرات الحتمية الناتجة عنه. افتقار المجتمعات لهاتين السمتين يزيد من حجم التحديات أمام الحكومات، ويجعل إمكانية تجاوزها للأزمة الراهنة عسيرة، وقد تتطلب وقتًا أطول.
إذن كيف يمكننا صناعة الوعي والقبول لدى المجتمع؟، لتحقيق ذلك الهدف ثمة ركيزتان أساسيتان لابد من توافرهما، الشفافيّة والمشاركة المجتمعيّة، إذ من الضروري أن يكون السكّان على اطلاع بنتائج تحليل آثار الأزمة على المستويين الصحي والاقتصادي، ودراية بخطة العمل القابلة للتنفيذ لتجاوزها، مع تحديد واضح لمسؤوليات الأفراد والمؤسسات والشركات والجهات الحكومية، دون أن نغفل أهمية الكشف عن المستقبل المتوقع في حال التزام جميع الأطراف بمسؤولياتهم.
في المملكة ولله الحمد حضرت الشفافية منذ البداية، عندما وجه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- خطابه التاريخي المتسم بالمصارحة والمكاشفة لحقيقة التحديات التي يواجهها وطننا إزاء أزمة كورونا، وامتدت شفافيّة القائد إلى مختلف الجهات الحكومية وفي مقدمتها وزارة الصحّة التي تُعلن يوميًا عبر مؤتمرها الصحفي عن عدد الحالات المصابة والمتعافية والمتوفاة، إضافة إلى المقابلة المتلفزة لوزير المالية والتي كشف من خلالها مدى تأثر الاقتصاد بالجائحة، ومتطلبات المرحلة المقبلة، في وقت أظهر فيه المجتمع وعيًا عاليًا بالاستجابة لدعوة المكوث في المنازل والتباعد الاجتماعي وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، وهو ما جعل بلدنا في موقف إيجابي بالنظر إلى مختلف الدول الأخرى التي تكبدت خسائر كبرى في الأرواح، بينما لم تبلغ نسبة المتوفين لدينا 1 بالمائة من إجمالي الحالات.
العالم لم يخرج بعد من نفق كورونا ونحن جزء منه، لكننا وفق المؤشرات نسير على الطريق الصحيح، ما دمنا جميعًا متكاتفين خلف قيادتنا الحكيمة، ومدركين بأنها لن تدخر جهدًا لحماية أرواحنا وممتلكاتنا، وموقنين بأن المستقبل الزاهر ينتظرنا لتحقيق رؤيتنا الطموحة.