بعد أن دخلنا الشهر الخامس من بداية تفشي وباء كورونا، واتباع أفضل المعايير العالمية في الإجراءات الوقائية، أعتقد أنه قد آن الأوان لأن يكون لوزارة الصحة السعودية البصمة العالمية «الخاصة» في التعامل مع هذا الوباء.
هذا الطرح يعتبر محاولة لمراجعة طرق العلاج العالمية للوصول إلى الطريقة المثلى المحلية.
تمتلك المملكة خبرات طبية وإدارية تمكنها من وضع نظام خاص عوضًا عن اتباع نظام قد لا يناسب المجتمع أو الاقتصاد أو الوضع العام، وآن الأوان أن نقود العالم بأنظمة جديدة.
يجب الانتباه إلى أن التعامل مع وباء كورونا الجديد يختلف بخصائصه عن أمراض معدية أخرى، حيث لا يوجد مضاعفات بعد الإصابة به، كما هو الحال بفيروس الجدري أو الحصبة أو شلل الأطفال، وعند الشفاء من المرض - وهو القاعدة العامة - فإنه لا يترك أي أثر على الجسم، أما في حال إصابة كبار السن به، أو من لديهم أمراض مصاحبة، فيكون تأثيره أشد، حيث قد يسبب بفشل تنفسي حاد، ويحتاج معه إلى العناية المركزة، لذلك يؤكد الباحثون على تطبيق النقاط المهمة في منع العدوى لفئة محددة فقط من المجتمع.
في البداية نطرح بعض الأسئلة لتكون الإجابة عنها محور البحث عن المعلومة الصحيحة في موضوع الخروج من أزمة كورونا.
اللقاح
السؤال:
هل سينهي اللقاح المنتظر هذا المرض؟
الجواب المختصر: لا، و»ربما» في أحسن الأحوال.
الفترة الزمنية المتوقعة لإنتاج اللقاح تصل لمدة سنة على أقل تقدير، وخلال هذه المدة يكون المرض قد انتهى، بإذن الله، ومن المتوقع أنه بعد انتهاء الوباء أن يكون قد كوَّن حاجزًا مناعيًّا بشريًّا قويًّا يغني عن اللقاح، حيث لن تسمح المناعة الطبيعية بعد ذلك بهذا الانتشار السريع.
إن «الجينوم» الخاص بفيروس كورونا متعدد بحسب الفصيلة، مقارنة - على سبيل المثال - بفيروس الحصبة، حيث لا يوجد إلا «جينوم» واحد لكافة أنواع الفيروسات المسببة للحصبة، وبذلك يمكن في حال الحصبة تحديد هذا «الجينوم» وصناعة اللقاح الخاص به.
أما الفيروس المسبب لمرض كوفيد 19 فهو أحد الأصناف المتعددة الناشئة عن الفيروس الأم «كورونا». وقد تعرضنا سابقًا لعدة أمراض من فصيلة «كورونا» مثل وباء «سارس» (مرض الجهاز التنفسي الحاد) ووباء «ميرس» (مرض الشرق الأوسط التنفسي) ويتفرع كذلك من نفس نوعية هذا الفيروس فصائل فيروسات الأنفلونزا التي هاجمت وتهاجم البشرية في كل وقت وكل حين، ومنها أنفلونزا الخنازير والطيور وغيرها. ولا يتطلب الأمر أخذ لقاح لهذه الأمراض.
وأي لقاح نحصل عليه بعد عام من الآن لن يكون مفيدًا لهذه الجائحة بالتحديد، ولن يكون بكل تأكيد مفيدًا للفيروس الذي قد يتفرع من فصيلة كورونا بالمستقبل، إذْ بعد الانتهاء من صنع اللقاح والبدء بتطبيقه قد نجد أن هناك كوفيد 22 بدأ بالانتشار! وأنه يحتاج لقاحًا جديدًا!
ونحمد الله أن لقاح الحصبة ثابت جينيًّا، لذلك فإنه يفيد أي شخص من الممكن أن يتعرض لهذا الفيروس، ويقيه، بإذن الله، من عواقب المرض الوخيمة، أما لقاح كورونا فرغم فائدته المحدودة فإن المرض الناتج عن الفيروس لا يقارن بمشاكل الحصبة ومضاعفاتها.
العلاج:
هل يوجد علاج مفيد لهذا الوباء في الأفق؟
الجواب: لا.
إن المرض الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا يصنف في علم الأمراض ضمن الأمراض ذات الشفاء الذاتي، وتصل نسبة الشفاء الذاتي بعد التعرض للفيروس إلى 85 % (حسب التصريحات المتعددة للاستشاري الدكتور عبدالله الحقيل) لذلك فإن أي علاج يتم بحثه يجب أن يتفوق على هذه النسبة التي تعتبر عالية جدًّا في عالم الطب الذي يعتمد على البراهين، ليجد له مجال استخدام على أرض الواقع.
القاعدة الأساسية هي أنه لا يوجد علاج فعال يقضي على الالتهاب الفيروسي.
ولنقارن ذلك بمرض بسيط مثل التهاب اللوز بالبكتيريا، إن استخدام المضاد الحيوي المناسب يبدأ مفعوله في مكافحة المرض خلال عدة ساعات من تناول الجرعة الأولى، وخلال 24 ساعة نلاحظ أن الحرارة قد اختفت، وأن المريض بدأ بالتحسن بشكلٍ ملحوظ، كما أن استعمال العلاج يساعد في منع وجود المضاعفات الناتجة عن المرض بإذن الله.
أما مع الفيروس المسبب لكورونا فلا يحتاج المريض إلى أي تدخل طبي ضمن الأحوال الطبيعية للمرض، ويشفى المصاب بشكل تام خلال مدة تتراوح من أسبوع إلى عشرة أيام، يحتاج خلالها إلى استخدام العلاج العَرَضي (علاج الحرارة ومسكن الألم) كما أن الشفاء من المرض لا ينتج عنه أي عقابيل خطيرة. بإذن الله. (حسب الدكتور عبدالله الحقيل فإن كورونا لا يقارن بمرض الجدري أو شلل الأطفال).
لا يخفى على من تابع الإعلان عن وجود علاج لهذا الوباء من قبل الطبيب الأمريكي فاوتشي أن العلاج لا يهدف إلى القضاء على المرض، أو إيقافه فور التعرض له، بل إنه يساعد على تقليص مدة المرض من 14 يومًا إلى عشرة أيام فقط.
وحتى مع هذه النتيجة المحدودة فإن مراجعة هذا العلاج ضمن المعايير العالمية للبراهين العلمية لا تتوفر حاليًا، فلا يوجد دراسة أخرى تؤكد هذا البحث، بل على العكس، هناك دراسة تناقض ما خلصت إليه التجربة الأمريكية مما يجعل العلاج على أقل تقدير «موضع خلاف».
فمن وجود آثار محدودة للفائدة من استخدامه (تقصير المدة فقط) إلى عدم وجود أي فائدة في بحث آخر، إلى كون المرض ذاتي الشفاء، لا يمكن القول أبدًا بأن هناك علاجًا في الأفق.
التشخيص باستعمال التحاليل الطبية:
يتم طرح سؤال تقليدي على كل طالب طب عندما يقترح إجراء فحص معين خلال علاج المريض، وهو:
كيف ستغير نتيجة التحليل طريقتك في العلاج؟
من هذا المبدأ سنحاول كشف الفائدة المرجوة من إجراء التحليل الخاص بمرض كورونا.
ورغم عدم وجود تحليل مفيد فإن فائدة نتيجة التحليل تبقى محدودة، إلا في المجال البحثي الأكاديمي.
هناك طريقتان للكشف المخبري:
الأولى: هي المسحة الطبية للبلعوم (الأنف أو الفم) وتكشف الفيروس خلال فترة حضانة وتكاثُر، أي قبل ظهور الأعراض، ولكن نحتاج لمدة من 24 - 48 ساعة على الأقل لظهور النتيجة، ويتم إجراء الاختبار للأشخاص ضمن نطاق خطورة معينة.
بطبيعة الحال النتيجة إما أن تكون سلبية أو إيجابية.
لنفترض أن النتيجة كانت سلبية، ومعرفة أن الفيروس يحتاج لمدة من 24-48 ساعة للتكاثر، ماذا يضمن لنا أن هذا الشخص لم يتعرض للعدوى قبل المسحة بيوم واحد أو ساعات، حيث تم أخذ العينة خلال دخول الفيروس إلى الخلايا وقبل تكاثره وظهوره في المسحات. وبذلك فرغم كون العينة سلبية في البداية إلا أن المرض سيتطور لتعطي نتيجة الفحص السلبية شعورًا كاذبًا بالأمان.
أما المسحة الإيجابية لأي شخص لا يوجد لديه أعراض فتكون فائدتها في منعه من الحركة لمنع انتشار المرض. ولا تؤثر في خطة العلاج حيث لا يوجد أي عرض مرضي لعلاجه.
لكن من هم الأشخاص الذين يجب أن نجري عليهم الفحص؟
لنأخذ مواطنًا - على سبيل المثال - وصل اليوم من لندن، ويتوجب عليه البقاء لمدة 14 يومًا في الحجر الصحي، فإذا تم إجراء مسحة طبية، وكانت النتيجة سلبية، فذلك لن يعطيه الرخصة للخروج، بل يتحتم عليه البقاء لمدة 14 يومًا، يتم إعادة المسحة بعد ثلاثة أيام، فإذا ظهرت النتيجة إيجابية فلن يتم عمل شيء سوى البقاء لنهاية المدة (14 يومًا).
إذًا الفائدة الوحيدة هي إضافة رقم إحصائي إلى العدد الكلي للمصابين.
الطريقة المخبرية الثانية: تحليل الدم، وهذه لا تكشف عن الفيروس بذاته، لكن عن وجود الأضداد المناعية التي أنتجها الجسم لمكافحة الفيروس، أي أن الفيروس قد ضرب وهرب وبقيت آثاره.
فإذا لم يكن هناك فائدة من عمل التحليل قبل ظهور الأعراض، فما الفائدة من التحليل بعد الشفاء من المرض؟
لا يوجد بكل تأكيد إلا فائدة أكاديمية بحتة، لمعرفة الآثار الناتجة عن المرض وإدخال المصاب ضمن الأرقام النهائية للبحث العلمي.
لا شك أن الإجراءات الاحترازية أظهرت نتائج مبهرة في كبح ارتفاع معدل الإصابات الأُسِّيِّ (الزيادة اللوغاريتمية التي تصل بالأعداد إلى عشرات الآلاف خلال أسبوع واحد).
إن وجود المعلومة الصحيحة ووجود التنفيذي المناسب في الوقت المناسب قد ساعد في وجود منحنى آمن، -ولله الحمد-. ولا يوجد في العالم مكان آخر مثل بلاد الحرمين الشريفين، وقد كان للقرار التنفيذي الشجاع للقيادة السعودية بوقف الزيارة والعمرة بشكل مؤقت الأثر الكبير في كبح جماح العدوى، ليس محليًّا فقط بل عدم نشرها لجميع أنحاء العالم للعائدين إلى بلادهم بعد أداء النسك.
كورونا، كما تم ذكره سابقًا، يعتبر إجمالاً مرضًا سليمًا، عكس بعض الأمراض الأخرى، حيث الإصابة بالجدري - على سبيل المثال - تترك آثارًا جلدية دائمة، مما يستوجب على البشرية مكافحة الإصابة به بشكل لا يدع أي مجال للشك، كما أن فيروس شلل الأطفال، وإن لم يكن مميتًا في كل الحالات، إلا أن الإعاقة التي يتركها تجعله محل اهتمام وبحث والصرف بلا حدود لمكافحته.
أما في حال كورونا فإن نهاية المرض هي الشفاء، بإذن الله، وبنسبة عالية تصل (حسب تصريح الدكتور عبدالله الحقيل) إلى 85 % لكن رغم النسبة «العالية» فإن هناك نسبة ستعاني من المرض، هذه النسبة تتكون من شريحة تمثل كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من أمراض مصاحبة.
هنا نجد سبب اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية، وهي حماية «الغالين» كبار السن، وهذه الفئة لا يجب حمايتها من فيروس كورونا فقط، بل إن أي فيروس يصيب هذه الفئة طوال العام يعتبر مرضًا خطيرًا جدًّا ويهدد حياة المصاب، لذلك فإن حماية هذه الفئة الغالية يجب أن تنطلق بداية من المحبين أنفسهم، بتطبيق الإجراءات الوقائية بحذافيرها، ومنع الأطفال من الاقتراب منهم؛ حيث إن الأطفال قد ينقلون العدوى قبل ظهور أعراض العدوى عليهم بوقت طويل.
التحليل الاقتصادي:
لنأخذ تحليلاً اقتصاديًّا سريعًا:
في المملكة العربية السعودية تظهر الإحصاءات أن الفئة العمرية أقل من ثلاثين سنة تشكل الشريحة الأكبر من المجتمع، والحساب الافتراضي السريع لوجود مائة ألف مواطن ينتمي إلى الفئة العالية الخطورة «الغالين» فإن اتخاذ الدولة إجراءات لحماية الفئة الغالية تمكن من فتح الإجراءات للشرائح الأخرى لأداء عملها.
من الممكن للدولة رعاية وعزل هذه الفئة في منازلهم، وتأمين خدمة التمريض المنزلي على مدار 24 ساعة، كما أنه من الممكن استضافة هذه الفئة ضمن مستشفيات مخصصة بالإقامة لمن لديهم بعض المشاكل الطبية، أو في فنادق لمن يتمتعون بصحة أفضل، ويتم خلال هذه الفترة مراقبتهم ومنع حتى أقاربهم من زيارتهم بشكل غير صحي.
إن تكاليف هذه الرعاية تتراوح بين ثلاثة وخمسة مليارات ريال شهريًّا، أي أنه بعد مضي ثلاثة أشهر، وهي الفترة اللازمة لـ»تفلطح المنحنى» بشكل كامل، لن تزيد التكلفة على خمسة عشر مليار ريال.
في هذه الحال سنتمكن من المحافظة على الفئة الغالية على قلوبنا «في قلوبنا»، وترك الاقتصاد يتحرك بكل زخم.
ماذا عن الوفيات التي قد تقع ضمن فئة الأطباء وصغار السن؟
إن العدد بسيط جدًّا، ولا يوجد ما يشير إلى أن المصابين لا يوجد لديهم أمراض مصاحبة. وفي حال وجود أمراض مصاحبة يعزل الشخص عن المجتمع ونصحه بتطبيق كافة الإجراءات الوقائية.
هل تكفي هذه الإجراءات؟
مؤكد: لا.
فيجب الاستمرار باتباع الإجراءات الأساسية البسيطة في منع العدوى بحذافيرها؛ وغسيل الأيدي باستمرار، وتجنب الأماكن المزدحمة، الإجراءات الوقائية تأتي في المقدمة.
يجب الانتباه إلى أن وجود بروتوكول علاج لأمراض خطيرة، مثل التهاب الكبد والإيدز، لم يمنع من انتشار المرض، بل إن الإجراءات الوقائية التي بدأ المجتمع باتباعها هي التي ساهمت بكبح جماح هذه الأمراض الخطيرة، وليس اللقاح أو العلاج.
** **
- د. صالح العبدالواحد