الهادي التليلي
عندما أنظر بكل انبهار إلى تضحيات الجيوش البيضاء وهي تقاتل الجائحة من أجل البشرية أشعر بأن الإنسانية ما زالت لم تغادر الإنسان رغم صلف المادة وعنترية الأرقام والنمذجة التي سلبت الإنسان المعنى وحنطت مشاعره.. هناك بذرة رائعة تجسدت في معشر الأطباء ومن معهم.. تجسدت في جنود الميدان من أمنيين تركوا أهلهم وخرجوا للشوارع ينقذون الناس من أنفسهم جلباً للسكينة والأمان، وتجسدت في المجتمع المدني الذي ربط بين جهود الدولة ورغبة الأفراد في الإسهام.. الإنسان لم يمت بعد وكورونا التي حاولت قتل الأجساد أحيت المشاعر الإنسانية..
وعلى الزاوية الأخرى من المشهد.. كل يوم تصحو فيه البشرية في زمن كورونا تتذكر أنها لم تنم وبالتالي تحتاج إلى أن تصحى من هذا الكابوس، هي لم تنم لأنها تعيش كابوساً في الواقع على رأي القائل من أدرانا بأن ما نراه حلماً ليس هو الواقع وما نتصوره واقعاً ليس هو الحلم.
البشرية لأنها من هول صدمة ما جرى ومن هول ما حدث من خسائر وأرواح جرفت الأطباء والكوادر الصحية والعلماء والفنانين واللاعبين ولم يسلم منها أي صنف من أصناف المجتمع، هذا الكابوس جعل البشرية تقف في منعطف اللاعودة الذي ينطبق عليه قول شكسبير «نكون أو لا نكون « TO BE OR NOT TO BE» . إما السير نحو الخلاص أو الدخول في مستنقع لا يعلم أي مخلوق طريق الخروج منه.
كورونا وهي تخيم على سماء العالم تحتل كل المعمورة بعطسة أو نفحة هواء أو رذاذ كلام.. كورونا ليست فقط ضيفاً ثقيل الظل هي أيضاً دكتاتور جائر حطم نسق العالم والوجود وفرض نمط حياة لم يعتدها العالم.
حملني هذا الوضع إلى مخيالنا الشعبي أو قل إلى إبداع الشعوب والذي من بين درره حكايات ألف ليلة وليلة التي تجادل الناس حول مرجعها هندياً كان أو فارسياً، وتحاوروا حول الدلالات السيميائية للخطاب الحكائي بما أنه ينبني أساساً على الحوار، وتناظروا حول تمظهرات المخيال الشعبي، ولكن لم أر من سأل متى تنام شهرزاد ابنة وزير شهريار.. شهريار الذي اكتشف -إن صدقت الرواية- خيانات زوجة أخيه وصعق بعدها باكتشاف خيانة زوجته.. فأعدمها وترسخت لديه قناعة كرد فعل أن كل النساء خائنات فراح يتزوج العذارى ويقتلهن ليلة الزواج حتى لا تجد مجالاً للخيانة.. وعندما عجز وزيره المكلف باختيار العذارى تقدمت ابنة هذا الوزير للترشح لمهمة زوجة شهريار..
وبدأت تلف حول عنقه أحبولة السرد والحكي بالتشويق والقطع عند بزوغ الفجر.. وتستمر الحكاية، ولكن شهرزاد التي ينتظرها الموت في كل ليلة والتي لا تنام ليلاً والتي عليها صنع حكاية على مقاس شهرزاد وقادرة على تأجيل إعدامها ليلة أخرى لتصل إلى ما يقارب الثلاث سنوات بلا راحة أو عطلة استثنائية أو أو.. شهرزاد اختارت التصدي لقرار موت المرأة ظلمًا ودافعت عن صورة المرأة الحقيقية وحاربت من أجل جنسها.. كانت تقاوم الموت كل ليلة ولا تدري أكانت ستعود لوالدها حية أم لا.. انخرام في توازن القوى بينها وبين شهريار ومع ذلك نجحت..
نفس الشيء بالنسبة للبشرية وهي تقاوم كورونا، حرب الطبيب الذي هو الجندي الأول هو أول ضحية ممكنة حرب غير متساوية الموازين.. فمتى تنام شهرزاد التي بقيت قروناً تحكي وتلهم الدراما والبشرية؟ ومتى تنام البشرية خارج زمن كورونا وداخل زمنها؟ ومتى يستعيد الإنسان تجربة الجماعة؟.. كل هذا يعود إلى وعي الإنسان بأن حماية نفسه هي حماية للآخرين وللأجيال القادمة التي نريدها أن تنام عميقاً وتحلم كثيراً وتنجز أكثر.