خالد احمد اليوسف
- 1 -
النساء على أبوابهن يتأهبن للخروج، الرجال بعد ليل طويل متشعب الأحوال والأنواء، يتسرّب إليهم الخدر على وسائدهم الملونة، ما تبقى من الأطفال ممسك بيد أمه، أما الأكثر لعباً وعنفواناً فقد سقطت أطرافهم وأعناقهم في أي موقع وصلوا إليه، وباتوا في سبحات النوم يغرقون.
- 2 -
يدور النزاع حول الأيدي المكشوفة، والوجوه المتعطشة للخروج بلا أقنعة، تتصارع الأيدي في تحدٍ وقبول، بين من يلبس الواقي البلاستيكي قناعة، والآخر يكتفي بالمطهر فلا يرضَ بها، أما الوجوه فتكتفي بغطاء الوجه للنساء، والآخرون العابثون يمررونها على وجوههم شكلياً!
- 3 -
ها هو شروق الشمس ينبئ عن يوم مختلف، حيث الألوان تتناثر خيوطها بعيداً عن الشمس، تُظهر خوفاً وقلقاً من نهار يحبس أنفاسه، يضطرب، تشعر أن السماء تبعدها عنها، وأن الأرض تنحي حضوره، فأصبح اليوم يتيماً منذ بداياته!
- 4 -
أمامي شارع حمزة بن عبدالمطلب، الممتد شمالاً بداية من وادي لبن ليقف جنوباً أمام وادي نمار، كأنه بدأ يصحو من غيبوبة متقطعة، المحال على جانبيه في إغفاءة طويلة الأجل، لا يستطيع إحداها تحريك بوابته قبل نيل الإذن بذلك، وما من أحد يجرؤ على تجاوز القانون، إلا مخبزاً أو بائع الفول والطعمية، والبقال الصغيرة، وصيدلية تكتفي ببوابة زجاجية صغيرة لتلقي الطلبات، وما تبقى من المهن والمحال فحالهم في إعفاء غير محدود الأجل!
- 5 -
عربات (كارفور) السوق الكبير تتسابق مع كل اتجاه، وفي تصادمها غير المقصود لغة حوار بين المتسوقين ....
ألم تر كارفور من قبل؟
منذ افتتح لم أشهد حركة كهذه؟
يبدو هذا في جميع الفروع؟
النساء يحشرن العربات بكل شيء أمامهن، الصمت يزن في الآذان، لا تسمع بين الممرات إلا أصوات أجهزة المحاسبة، وهي تعزف لحن الشراء المتتالي، وتغني كلمات لهيب الأمعاء الشره، تريد كل شيء.. نعم كل شيء!
- 6 -
النساء يضاعفن مشترياتهن، يرغبن في تخزين التفاخر لكثرته، ولا يعرفن لها آحاد! وما من شيء بين ممتلكاتهن، إلا وتجده في الرفوف والأدراج بالعشرات، والألوان، والأشكال لا تستطيع لها حصرا! فكيف وقد جاءتهن أيام الحصار والحظر، والبقاء في بيوتهن من غير وقت معلوم؟
- 7 -
صراع لا حدود له، شراء كل شيء ضاعف الأسعار، وسعار البائعين يلتهب، تشتد الأزمة في حدود المعيشة، والعيش يحلق بجناحين، لا يعلم أين سينتهي به المطاف، وكيف ستكون نهايته؟
- 8 -
يشتد الوقت على حراس الزمن، في كل زاوية لهم مرصداً، التجوال المسموح يقترب أجله، لم يتبق إلا ساعتان وتصل الساعة إلى مبتغاها، مكونة بالعقربين مثلثها الأول! وما زال الناس في لهاث بين محال التغذية والغذاء، فهو الشاغل لهم، وهو المحرك لأقدامهم وعربات سيرهم في حدود الأحياء، وما من أحد استطاع تجاوز حدوده. فجأة تطوقهم عربات الإسعاف، بكل أشكالها وأحجامها وألوانها، كاتمة صوتها لكي لا تحدث قلقاً بين الناس!
- 9 -
اشتباه يحاصر الطرقات، ومقر تجمعات العمال المتخمة بأعداد هائلة تُحاصر، اضطرت مؤسسات الأمن الصحي إلى الاستعانة بأمن الوطن، وأجهزة قياس درجة الحرارة تنتشر بين أيديهم، تعوق حركة أرجلهم ملابس الوقاية الملونة الصفراء، فتخمن أنهم قادمون من كوكب آخر، وأن مكوكاً فضائياً يدور فوق رؤوسنا، ويهبط شيئاً فشيئاً إلى الأرض، لهذا تراهم ينتشرون بالعشرات أمام المباني المزدحمة، والعربات تنقل المشتبه بهم بسبب الحرارة الشديدة والإعياء وآثار المرض الغامض، إلا أنهم يجمعون على علاماته التي يعرفونها من قبل، الزمن لم يعد زمناً، والمكان يصطخب بعشرات الساقطين، ويبقى الفرد فرداً نائياً بنفسه عن الآخرين.
- 10 -
الرياض تنوء بمن فيها، ملايين البشر الراجفة دبيباً فوق جسدها تختفي، لم تعد مدينة الصخب، والضوضاء الملتهب، كل ما فيها اختفى عن الأنظار، إلا من عابري شوارعها وطرقها السريعة قبل انتهاء الزمن المحدود، وتحين ساعة الحدود، ليحدثك (جوجل) عن جغرافية حركاتك وضرورياتك، تضطرب الأصوات لتعلن أنها أنقى المدن، وأنها مدينة الرحمة، وأنها مدينة تجمع أحاديث الناس لليل قادم مجهول.