د. محمد بن يحيى الفال
«أنا قاسم سليماني، الجندي الذي كرس حياته لخدمة الإسلام والثورة الإسلامية وعزتها وكرامتها. أنا سليماني الجندي المجاهد في سبيل الله، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني»، هذا ليس مقطعاً لرثائية على التلفزيون الحكومي الإيراني تنعي فيه جنرالها الدموي قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، أو فقرة من مقالة عنه على صفحات صحيفة «جافان» الناطقة باسم الحرس الثوري الإيراني أو صحيفة «ستاره صبح» المقربة من الحكومة الإيرانية، التمجيد المنوه عنه أعلاه لم يكن مصدره كل ما ذكر آنفاً، بل هو ما جاء في شريط بثته قناة الجزيرة القطرية لسلسلة «Podcast»، أطلقت عليها «رموز» والذي أدرج فيها اسم الجنرال السفاح وتأبينه بأوصاف يخيل لمن يستمع لها بأن المعني بها هو أحد قادة الفتح الإسلامي أو شخصية عُرف عنها الفضل والصلاح وعمل الخير لما فيه خير البلاد والعباد. لكن الحقيقة المُرة والتي ذُهل منها حتى أقرب المقربين من القناة القطرية بأن التمجيد الذي جاء في شريطها لم يكن المعني به سوى الجنرال السفاح قاسم سليماني قائد ما يسمى بفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. لعل المفارقة في شريط قناة الجزيرة القطرية هي أن الشخصية التي تم تمجيدها لم يكن سوى جلاد الثورات العربية، والتي أججت القناة نارها منذ انطلاقاتها الأولى في الأول من شهر نوفمبر 1996. القناة التي وضعت نُصب عينها زعزعة الأمن والسلم الأهليين في كل العالم العربي من محيطه إلى خليجه. جاء شريط قناة الجزيرة القطرية لتمجيد جلاد الثورات العربية المزعومة ليبرهن على صدق المقولة التي فحواها بأنك يمكنك استغفال الناس بعض الوقت ولكنك لن تستطيع أن تستغفلهم معظم الوقت. جاء الشريط في خمسة وأربعين ثانية كانت كافية لمحو عمل أربعة وعشرون عاماً وضعت فيها القناة كل جهودها وبميزانيات خرافية من أجل التركيز على هدف واحد فقط لخطها التحريري وهو تحريض الشعوب العربية على واقعها والذي لا يمكن لعنزتين أن تتناطحان بأنه واقع كان أفضل وبمراحل من الوضع الذي تعيشه الشعوب العربية التي انخدعت بالقناة وكانت النتيجة يندى لها الجبين، قتلى بمئات الآلاف وأضعاف ذلك من الجرحى والمفقودين وتشريد عشرات الملايين ومدن مُدمرة سويت بالأرض لا يشابها في بشاعاتها وضراوتها حتى ما جرى للكثير من المدن إبان الحرب العالمية الثانية. الطامة الكبرى بأن هذه الشعوب التي انطلت عليها أساليب الناة القطرية في التحريض تكتشف وبعد مرور عشر سنوات من بداية ما يسمى بالربيع العربي والتي أذكت القناة جذوة شراراته بكل ما تستطيع من دعاية وأكاذيب لا تعرف حدوداً، بأنها نفس القناة التي تبث شريطاً تمجد فيه الجنرال الدموي قاسم سليماني الذي وضع نفسه تحت إمرة ملالي طهران، الذين جعلوا دحر كافة الثورات العربية المزعومة هدفاً لسياستهم الخارجية الهادفة للسيطرة على العالم العربي. لم يكن هدف السيطرة على العواصم العربية من قبل ملالي إيران والذي تم تعيين الجنرال الدموي مشرفاً على إنجازه أمراً من نسيج الخيال بل هو من كان يتنقل بين العواصم العربية بنشوة الانتصار لبث روح المثابرة في جنوده من فيلق القدس أو ممن تم تسخيرهم كبيادق لتحقيق أحلام الملالي في دحر شعوب العالم العربي، ونراهم في حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وقوات الدفاع الوطني في سوريا وعصابة الحوثيين في اليمن. لم يكن الجنرال الدموي الذي مجدته قناة الجزيرة القطرية سوى جلاد للثورات التي أشعلتها القناة نفسها لتحقيق أحلام ملالي طهران للسيطرة على العالم العربي. الأحلام التي باح عنها علناً الكثير من الساسة الإيرانيين، فهذا علي رضا زاكائي مندوب طهران مُخاطباً البرلمان الإيراني بأن هناك ثلاث عواصم عربية أضحت تحت سيطرة إيران وهي بغداد ودمشق وبيروت وبأن العاصمة الرابعة صنعاء في الطريق، ليعلن لاحقاً وزير الاستخبارات الإيرانية السابق بأن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية. تنقل الجنرال الهالك بين هذه العواصم ناشراً القتل على الهوية الطائفية وليعمل كل ما في وسعه من أجل إشاعة الفوضى والدمار والقتل في كل بقعه أرض عربية استطاعت فيها إيران أن تجد موطأ قدم والشواهد تتحدث عن نفسها.
التفسير المنطقي الوحيد لشريط قناة الجزيرة القطرية في تمجيد السفاح قاسم سليماني هو ما كان يتردد من قبل البعض بأن قناة الجزيرة القطرية هي صنيعة أجهزة استخبارات دولية تم إطلاقها لهدفين محورين وربما أكثر، ولقد تبين لنا هدفان بشكل لا لبس فيه، الأول تحريض الشعوب العربية على أنظمتها والذي نتج عنه ما يسمى بالربيع العربي والذي كانت نتيجته تمزيق لدول محورية في العالم العربي بشكل لم يقدر عليه كل أعداء هذه الدول مجتمعين وبطريقة لم تكن تصل إليها أكثر خيالاتهم خصابة، والهدف الثاني هو أن تعمل القناة كمنصة إعلامية للثورة الإسلامية الإيرانية المزعومة التي جاءت بالخميني عام 1979 والتي لم تكمل عامها الأول حتى نشبت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لثمانية أعوام عجاف، ومنذ ذلك التاريخ والمنطقة ما أن تخرج من أزمة حتى تلج في أخرى أشد ضراوة من السابقة ولتنطلق قناة الجزيرة القطرية بعد سبعة عشر عاماً من الثورة الإيرانية ليتشكل حلف بدأت معالمه في الوضوح بين الثورة الإيرانية وقناة الجزيرة المنصة الإعلامية لهذه الثورة ولتكون النتيجة التي لا يمكن أن يجادل فيها أحد وهي خراب دول محورية في العالم العربي بثورات ثم الانقضاض على هذه الثورات وتمجيد جلادها، ولكل مشكك، شاهد وتابع حال العواصم العربية التي ابتليت بكل من التخريب الحربي الإيراني والتضليل الإعلامي لقناة الجزيرة القطرية والتي ما زالت تتبجح بمقولة الثورة المضادة للربيع العربي والرد على ذلك هو بكل بساطة شريط الخمسة والأربعين ثانية الذي بثته بنفسها لتمجيد سليماني والذي أسقط آخر ورقة توت عن سوأة القناة.