تنسلّ منك بلا حسيب ولا رقيب
.. ربما لا تفيق إلا وأنت في أواخره..!
وقد طالك عندئذ من الحسرات (ندم)،
على ما لا يعود (هل يعود اللبن للضرع)؟!
وأسى.. على ما فرّطت من تضييع موسم خيرات وبركات، أَعْطَتْ الدنيا من يوم قدم إلى خواتيمه التي فيها ليلة القدر.. التي بها عظيم البذر..
أَطْلِي في سماء العمر.. إشراقاً مع البدرِ
سلامٌ أنتِ في الليل.. وحتى مطلعِ الفجرِ
أجل أخي.. كذا هو رمضان فأيامه التي عنى الله جل ثناؤه بقوله عنها: (معدودات) أي ذات الشهر -رمضان-.
اليوم انقضى شطراه، ومشاعرنا تناديه أن يَتّفِق، وإن أوشكت على المغادرة لتلك التي كُتب علينا -المؤمنون-الصيام بها دون غيرها، فهي التي تعد مبالغةً أيامها بل وساعات أوقاتها، وعنى بقوله معدودات: محصيا.
ومما جاء في إعرابها: (أيّاما) ظرف زمان منصوب لفعل محذوف تقديره صوموا، (معدودات)، نعت لـ(أياما) منصوب مثله، وعلامة النصب الكسر.
ومن ثمّ.. لِلَّهِ المرتجى المشتكى من عجلة حركة الدنيا، وبالأخص زماننا!، الذي ما أن يهلّ شهر حتى نتراءى لهلال ما بعده.. ولأن قلّ اهتمامنا أو ما يعتادنا مع غالب الشهور.. خلاف هذا الشهر، وأقصده..
فهو (مشمش) الخير والعطاء.. منّـا.. و(موسم) البذر، وشحن لا أقول النفوس.. بل القلوب بطاقة ترفد لبقية شهور العام.. والتي غالبيتها بيداء لا زرع تراه ولا ضرع تلفاه، أو من ماء.. يرويك عدا ما يحاذيك ببعض فياضها كما في (عشر ذي الحجة)..
إذا جلّ الشهور ليست بمقام هذا الشهر الذي يزورنا كل عام مرة، لكنه ما أن يسلّم إلا وتخفّفت خُطاه مؤذنة بالرحيل
فيذيقنا حلاوة الشوق و..
هذا...، ولو تساءلت أن علام العجلة؟
لأجابك ليس هو بل تثاؤبك من استغلاله!
وخمولك من منادمته، و(ربما) زهدك في نفحاته
لكن موضع دواعي هذه السطور التي ليست بـرقٍّ -كتاب- منشور..
بل جمل تراصّت وتدافعت من بين.. أصابع مُنشأ مكنونها في التباشر بمقدمه، وبين الأسى الذي... كما جمع ببراعة (أبو نواس) بين العزاء والهناء:
جرت جوار بالسعد والنحس...
فنحن في مأتم وفي عرس
القلب يبكي والعين ضاحكة...
فنحن في وحشة وفي أنس
وحشة إغلاق بيوت الله مضطرين، وأُنس شهر العبادة- الركن الرابع من أركان ديننا.. فهكذا هي حالنا وهو يحلّ هذا العام، أقصد على وجه غير ما اعتدنا.. فكما بالأمس القريب تساءل الناس:
كيف تُغلق المساجد، ويحرم عباد الله من ارتيادها لولا هذه الجائحة.. عاد السؤال كأكثر وطأ.. عنه في استهلال صيام نهاره، وصلاة ليله.. مصحوباً بتعجب:
هل صحيح لن تقام «التراويح» في بيوت الله؟!
واليوم عاد التساؤل مثقلاً.. عن (كيفية الاعتكاف، أو هل يصح بالبيوت)؟
لا أريد أن أقلبها مناحة..!
لكن لو تبصرنا ماذا سيكتب (التاريخ) لأصبنا بفاجعة..، أرّخ لها بعضهم:
«.. وأنه وفي عام 1441 من الهجرة أُصيب العالم بجائحة منعتهم من الخروج من المنازل! وبالتالي حالت بينهم وبين إقامة الصلاة (في بيوت الله) مدة طويلة تجاوزت الثمانين يوماً، تخللها رمضان كاملاً.. ما جعل أصوات التراويح تخفت، فلا يكاد يسمع لها.. همساً! إلا خلف حجرات البيوت، فيما أغلقت دور العبادة عن العباد، وأصبح الناس في حيرة، الحاضر منهم والباد، كما وخفّ الناس عن اللقاءات والتزاور، لدرجة لا يدري الجار عن جاره إلا لمما... ولن أحدث عن تلك (الروحانية) التي اعتادها المسلمون في شهر الصيام فقد اختفت منه هذا العام، وأوشكت تطوي معها (العيد) وفرائحه، من أنس الأصحاب باجتماع الأحباب
ف.. نسأل الله الأمن والسلام، ومعه حسن الختام».