خالد الربيعان
عيد سعيد. أعتقد أن حالتنا النفسية أفضل من ذي قبل. الأيام الماضية هي الأصعب؛ الشتاء القارس، وأمطار كالسيل والبرق والرعد مع حجر منزلي، وأخبار الكورونا في بداياتها، مع رعب سببه الأول «الجهل بما نواجهه»، وهو خوف مبرر وغريزي، ثم استقرت الأمور قليلاً، واعتدنا عليها، وتكيفنا بعض الشيء. الأمور الأيام القادمة ستحمل بعض الفرج لا شك، ولطف من الله لا بد؛ فأبشر!
الكل أفتى في موضوع رجوع الدوريات، خاصة الخمس الكبرى «في إنجلترا، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا وإسبانيا». الكل، بداية من الحكومات ومنظمات الصحة والفرق الطبية، مرورًا بروابط الأندية الرسمية ورؤسائها، وانتهاء بمالكي الأندية، بل الخبراء الذين يحللون ويقترحون.. الكل إلا اللاعبين!
إذا شبهت منظومة الرياضة عامة بالبيت أو المبنى فإن وحدة بنائه هي اللاعب؛ بدونه ستفشل المنظومة وتفسد. وشاهدنا أنه حتى في غياب الجماهير عن المباريات في ألمانيا إلا أنها أقيمت، وتم اعتماد نتائجها رغم قبحها وغرابتها. حتى المدرب قد يغيب وتستمر الأمور. وهناك حالات كان مدرب الفريق لاعبًا فيه. الكاميرات قد تغيب، ولا تزال المنظومة قائمة. أما اللاعب فلا. للأسف مع كل هذا التقدم في كل شيء، والغناء في كل مناسبة باحترافية كرة القدم العقود الأخيرة، إلا أن اللاعب تشعر بأنه يعامَل معاملة المهرج.
لا صوت للاعبين في أمر العودة للملاعب في ظل وباء غامض. تكلمنا عن فئران التجارب في مقال سابق. هذه المرة قالها أحد اللاعبين بالنص، داني روز جناح أيسر منتخب إنجلترا ونادي توتنهام، وقد تهتم به أكثر الفترة القادمة بعد انتقاله لنيوكاسل!: «الناس تقترح عودتنا كما لو كنا فئرانًا في معمل». صحيح تمامًا.. «المخاطرة بالصحة في سبيل التسلية» risk health for entertainment، توصيف في محله أيضًا!
قبل داني روز اعترض سيرجيو أجويرو، ممن يحملون «الرقم 9» الذين أصبحوا عملة نادرة في طريقها للانقراض. زميله في السيتي «رحيم ستيرلنج» كان له الرأي نفسه. قائد واتفورد «تروي ديني» كالعادة اعتراضه كان صاخبًا، وله هوية تميز موهبة ظلمها الإعلام الرياضي والجمهور، خاصة بعد تجربة السجن، ولم يساعده أحد غير والدته و»قدميه» في الخروج من أزمته، ثم يصبح ثالث هدافي النادي عبر تاريخه! مثله تأخذ منهم الحقيقة بلا تجميل، واعتراضه على معاملة اللاعبين كقطع الشطرنج في هذا الوباء صحيح تمامًا.
العقلاء من القوم ليسو محصورين داخل المستطيل الأخضر بل إن عمدة لندن نفسه «صادق خان» عارض العودة أيضًا، خاصة أن لندن مدينة حيوية، وحساسيتها للتأثر بالوباء كبيرة. ثم لا ننسى أن المدينة بها 3 أندية من الـ6 الكبار «تشيلسي، أرسنال وتوتنهام». إذن كلمات الرجل مهمة خاصة أنه يعارض حتى «المشي في الحدائق» في هذه الظروف؛ لأن ذلك «يفسد عمل وجهد الأيام الصعبة الماضية». كلام منطقي!
كما يخاف كل إنسان على حياته فإن اللاعب أيضًا له حياة يخاف عليها، وأهل يخاف عليهم، ويرتعب من فكرة فقدانه وتركهم، أن تطولهم العدوى، سواء منه أو من غيره. والمخاطرة به كبيرة؛ لأن اللاعبين هم أصول كل نادٍ، وقيمتهم شديدة الأهمية، قيمة «فنية»؛ إذ إن كل موهبة تذهب في هذا الوباء - أو بشكل عام - لن يأتي غيرها. قيمة «مالية» كبيرة حتى أن الدوريات وقوتها تقاس بقيمتهم السوقية. في البريمرليج أنت تتكلم عن 8 مليارات يورو تقريبًا «32 مليار ريال»، الإسباني 5 مليارات، الألماني والإيطالي 4 مليارات. ثم إن انتشار العدوى من ملاعب الرياضة لمن يشاهدونها خارجه أمر سهل - أقولها لك بصراحة! - رمية تماس واحدة من لاعب مصاب أمسك بالكرة قد تنقل العدوى لـ50 إنسانًا بالملعب على الأقل، فما بالك بالمخالطين بهم من الأسر والأهالي. ومأساة مدينة بيرجامو الإيطالية أكبر أسبابها كان مباراة دوري الأبطال بين أتلانتا وفالنسيا! أمر أكده مدير مستشفى المدينة بوصفه المباراة بقنبلة بيولوجية!
لا تبرير لكل هذا سوى غياب المنطق؛ ربما نتيجة لظروف إنسانية نادرة تؤثر على التفكير واتخاذ القرارات بعد مراجعة كل المعطيات جيدًا، أو ربما هناك بعض مراكز القوى في كل منظومة عالمية كبيرة، لم يؤثر عليها الفيروس - بشكل ما - وتريد «شيئًا ما» من هذا الوضع، بغض النظر عن رأي ورغبة الآخرين طالما «هم» أحياء «يرزقون».. ربما.
أولويات
أتمنى أن يحكم المنطق قرارنا نحن في المملكة بعودة «أي نشاط جماهيري» وليس الرياضي فقط، واعتبار الانتصار على الوباء أولوية، ووضع الأمور في ترتيبها الصحيح، ومعرفة الفرق بين «المهم» و»الأهم» و»ذو الأهمية»! وكل عيد وأنت عزيزي بوافر الصحة والسعادة.