خالد بن عبدالكريم الجاسر
(وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة)، هكذا وصفه الراحل الأديب مصطفى صادق الرافعي في كتابه (وحي القلم)، لأنه اليوم الذي تبتسم فيه الوجوه، ويفرح ويمرح فيه الجميع، مُنتشين بأزهى ما يملكون من روح ونقاء قلب قبل أن يرتدوا صُنوف الأردية والحلل، يتبادلون فيه أسمى صفاء النفس في مُداهمة عُظمى للأحزان والأهوال التي انغمسنا فيها، وقتل الملل والمتاعب بتحايا من الله هي السلام، وبعد فجوة اجتماعية بين الناس أسبابها كثيرة، ليختلف هذا العام بعيد غريب علينا بأطواره مُنذ المجيء وهذا قدرُ الله علينا -ولله الحمد-، لكن في عيدنا قد يرى فيه البعض أنه يمُر علينا بطيئًا رتيبًا، بلحظات انكسار وانهزامية، أبعدتنا عن أحبابنا كثيراً وأفقدت حياتنا نكهة الفرح بزيارة الأهل والخلاَّن وإعطاء العيديات والهدايا للأطفال.. فما أثقلها من أيام! فحين تُصبح الأعياد تقاليد قومية، تفقد في النفوس معناها، وفي المجتمع آثارها، وتُصبح فرصة للراحة أو العبث. لكن لنا في رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة وهو الذي كان يحمل هموم الأمة، ومع ذلك كان أكثر الناس تبسّمًا وسعادةً وتفاؤلًا. فما أجمل من وصف العيد وصفاً جميلاً للراحل مصطفى صادق الرافعي، قائلاً: (جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم، زمن قصير ظريف ضاحك، تفرضه الأديان على الناس؛ ليكون لهم بين الحين والحين يوماً طبيعياً في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها، يوم السلام، والبشر, والضحك، والوفاء، والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: وأنتم بخير، يوم الثياب الجديدة على الكل؛ إشعارًا لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم، يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ليكون الناس جميعًا في يوم حب، يوم العيد؛ يوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه، يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة، ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى الناس نظرة ترى الصداقة، ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم؛ فتبتهج نفسه بالعالم والحياة، وما أسماها نظرة تكشف للإنسان أن الكل جماله في الكل).
ومن الذي كان يتخيل، أن نستقبل عيد فطرنا بعد شهر المغفرة ونحن بشوق إليه، وأحوالنا مقلوبة رأساً على عقب، قد اتسمت بالتشديد لما يصاحب العيد من تجمعات عائلية وخروج إلى المنتزهات العامة؛ لمنع تفشي فيروس كورونا، وفي محاولة لتجنب حدوث انفجار في الأعداد التي لا تزال تحت السيطرة.. فسبحان مُغيِّر الأحوال، لكن علَّمنا الرافعي أن: «العيد ليس إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص مُستعلنة للجميع، ويُهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة؛ بروح الأسرة الواحدة في الأمة كلها).. ولمَ لا نحتفل به عيداً وقد وهبنا العقل البشري ميزات تقنية وفضاءات إلكترونية يمكننا أن نجتمع عبرها جميعاً مُهنئين أنفسنا ومَن حولنا بخير عيد، فرُبَّ ضارة نافعة، لأن تجتمع القلوب على المحبة والنقاء، وتجتمع بنية الصدقة والإحسان لنيل الأجر والثواب»، والمحروم هو ذلك الإنسان الذي لا يعرف كيف يفرح أو يبتسم، فليس العيد بالخروج فقط والزيارات والهدايا، بل بالمسؤولية والنفس المُطمئنة إلى رضا الله وقدره، علماً بأنه لم يتغيَّر الحال كثيرًا فلم يعد الجار يرى جاره حتى في العيد، حيث نعيش زمناً مغايراً لذلك الزمن الجميل رغم صعوباته، ورغم أن العيد مدرسة تربوية واجتماعية عظيمة، وصلاة العيد روح كل مُسلم إلا أنها غير واجبة جماعةً ويمكن صلاتها بالبيت دون خطبة، في ظل وباء كورونا لتحفظ نفسك وأهلك، وتقي العباد من أي شر قد يصلهم منك -لا قدَّر الله- ويبقى من المهم أن تذكَّر أن مقياس الشعور بالأمان، وإحساس السعادة في بلداننا، يصلح لأن يكون مضرب المثل، مقابل دول أخرى، فكُلُّنا مسؤول، عن اتباع قواعد التباعد الاجتماعي، وعدم التجمّعات بجميع صورها وأشكالها وأماكن حدوثها.. وعيدكم سعيد.