الهادي التليلي
كيف ستبدو خارطة الترفيه في العالم وما هي ملامحه بعد انحسار وباء الفيروس التاجي الذي أصاب الكرة الأرضية منذ أشهر وفعل ما فعل بالإنسانية مئات الآلاف من الموتى ملايين المصابين مليارات في الحجر الصحي.. دون الوقوع في التنبؤ المتسرع أو الانسياق وراء الأحكام المسبقة، والجواب أن فترة ما بعد كورونا سوف لن تكون سهلة على العالم لأن الجائحة وإن انحسرت فإن انعكاساتها النفسية ستدوم أكثر وهو ما يجعل خريطة الترفيه العالمية ستكون محتوية لبعض مما قبل كورونا أي الوضع السوي وبعض من لحظة كورونا وما رافقه من تنشيط عن بعد، وبعض ممن لم يحدث في المرحلتين وهو التنشيط الجماعي، ولكن بمسافة تحت شعار كن حذراً، والأكيد أن خارطة الترفيه العالمية ستكون مختلفة عما سبقها بالنسبة لكل سكان العالم، ففي فرنسا أصدر مركز البحث «الرؤية الاجتماعية» Sociovision دراسة استقصائية للقيم وأنماط الحياة في العالم مع عينة وطنية تمثيلية من 2000 شخص وخلص إلى النقاط الست التالية:
أولاً: إلكتروني وذكي بالإبقاء على الاتجاهات التي تقدمت على مدى السنوات الماضية في الترفيه وخاصة الإلكتروني منه، والتي هناك كل سبب للاعتقاد بأنها ستستمر وستزداد بسبب هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة في المرحلة التي تليها سوف يتسارع عهد «الحياة الإلكترونية»والنهم عليها وأولها مجتمع الشاشات والقنوات التلفزية و»الحياة الإلكترونية»، التي أثبتت جدواها في المرحلة الأخيرة من الحجر الصحي بشكل جيد في المنازل المحصورة وسيكون Netflix أو Amazon وغيرهما كمشتقات هشينة بين الشاشة المنزلية والسينماتماشيا مع عصر التجارة الإلكترونية أو المؤتمرات الإلكترونية، عبر المشهديات الإلكترونية، ستشهد عملية إزالة التعامل المحسوس من مجتمع الترفيه تقدما كبيرا فهي في الحقيقة بدأت قبل كورونا ولكن تعمقت بها، ففي عام 2019، يشاهد %24 من الأوروبيين منصات فيديو من نوع Netflix يوميًا (%50 من الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا) و%22 يستمعون إلى بث الموسيقى على Deezer أو Spotify كل يوم (%58 من الفئة العمرية 15-24 عامًا) وهو ما سيتطور ليبني ممارسات أخرى تشبه واقعها الحالي ومستقبلها القريب كالاجتماعات عن بعد، والاستشارات عن بعد للأطباء، وعلماء النفس، والعمل عن بعد، والتعليم عن بعد، والوسائط الرقمية، والبيع عن بعد، وتوصيل المنزل، وما إلى ذلك. وهي الحضارة التي انخرط فيها العالم، ففي المملكة العربية السعودية التي تعد من أكثر البلدان تطورا في مجال التطبيقات الإلكترونية بدأ الحديث عن المجتمع الإلكتروني التام وسعي العالم إلى هذا الاتجاه يدخل في مجال الحذر من العودة إلى لحظة كورونا.
إذاً من المحتمل أن يتبع نهاية الحبس الإلزامي على الفور توسع مهول في مدار الترفيه بوسائل التواصل الاجتماعي مما يعني انحسار الطابع المادي لأنماط الحياة، سيراً بنسق الحضارة المتسارع.
ثانياً: مكثف حيث سيعيد العالم التركيز على الأساسيات وإهمال التفاصيل، فالوقت لم يعد يسمح بكم مهول من التفاصيل لأن الوقت استثمار، والعالم أضاع كثيراً من الوقت خلال لحظة كورونا ويود استعادة خسارته حيث إن الحبس الإلزامي سيكون له تأثيركبير مما يسمح للكثير من الناس بالتركيز على ما هو مهم لهم حقًا، أو على الأقل ما لا يكلف كثيراً من رأس مال الوقت في عام 2019 وافق %73 من الفرنسيين رداً على البيان التالي: «أود العودة إلى الأساسيات، والتركيز على ما يهمني حقًا». ارتفع الرقم بمقدار 3 نقاط مقارنة بعام 2018. وقد أعاقت هذه الرغبة في السابق بسبب ضيق الوقت. يوفر الحجر الصحي فرصة للبشرية للتعويض عن الوقت الضائع. بسبب الوقت، كان لديهم الوقت خلال الحجر الصحي أما بعده فلا مجال لذلك الوقت لهم.
وكما كان يتوفر لهم مزيد من الوقت لمنازلهم وأحبائهم. بالنسبة لأولئك المحاصرين معًا، قد وفر فرصًا لإعادة ربط العلاقة ولاكتشاف أشياء في المقربين منهم لم يكونوا يعرفونها حتى بمسافة، لأن الوقت كان سيكون لدى الفرنسيين الوقت لإعادة التواصل مع من يحبونهم. مما زايد من نسق التواصل بين الأحباء على Facebook أو WhatsApp وغيرها بالفعل (اجتماعات مع الأجداد والمناقشات عبر الإنترنت وما إلى ذلك) القلق عمق الروابط التي فتّتها الحياة اليومية قبل كورونا.
ثالثاً: بلا تكلفة ترشيد الاستهلاك والتوجه نحو ترفيه بلا كلفة التأثيرات الاقتصادية لجائحة كورونا وتغير سلوك الأفراد الذين بدؤوا يفكرون في وضع جزء من مدخراتهم لفترات الجوائح والحروب واكتشافهم أن الحياة بدون ملاعب كرة وحفلات مكلفة يمكن أن تستقيم وأن أي رخاء اجتماعي هو مؤقت، وهنا إيطاليا وأسبانيا من الشواهد على ذلك يجعل اليد التي تصرف أكثر تقشفاً ومن ثمة فإن أنماط الترفيه المتوقعة لما بعد كورونا ستكون أقل كلفة ممكنة وأكثر قربا من الأسرة الاجتماعية بدءا من الحي وصولاً إلى المدينة فالمحافظة فالدولة فالعالم ويستغرقون وقتًا أطول في اتخاذ القرار دون إهمال لجودة المادة الترفيهية المقدمة ولكن هنا الحرص على عدم الاستنتاج بسرعة كبيرة لمستقبل مصنوع من التقشف والبساطة. أولاً، لأنه في هذه الأوقات من العزلة اللاإرادية، فإن المتعة هي آخر ما تبقى لإبقاء معنوياتك مرتفعة. من المحتمل أن تساعد الملذات الصغيرة من الطعام (الآيس كريم والشوكولاتة والأطباق محلية الصنع الجيدة...) أو الألعاب (مقاطع الفيديو أو اللوح) في اجتياز الاختبار. بعد ذلك، لأنه بعد هذه الأزمة الصحية، بعد أسابيع من الحرمان، سيكون لدى الناس رغبة كبيرة في التخلص من الزخم. ومن الرغبة في الجهد الحركي ولكن بمسافة « كن حذراً».
رابعاً: جماعي حذر هنا يحضرني الآن الكتاب الذي نشرته عالمة الاجتماع الأمريكية شيري توركل» معًا فقط: المزيد والمزيد من التكنولوجيا، والعلاقات الإنسانية أقل وأقل» في عام 2010 في هذا الكتاب، الذي سرعان ما أصبح مرجعاً، أظهرت أن انتشار الإنترنت أنتج مفارقة: كان الناس معاً جسدياً، ولكنهم معزولون تقريباً. والآن ومع الحجر الصحي للعالم كله، فإن العكس هو الصحيح: فالناس معزولون ماديًا، لكنهم معًا تقريبًا. تحول لطيف قد لا ينجو من حلقة فيروس كورونا التاجي، ولكنه يعبر عن الحاجة إلى الاتصال بالآخرين.كما برزت قيم التضامن نتيجة للجائحة مما يبشر بعلاقات إنسانية أفضل تجعل من مجتمع الترفيه لما بعد كورونا أكثر تلاحماً، وهو ما أكدته دراسة مركز الرؤية الاجتماعية Sociovision إنه في قائمة مكونة من 22 كلمة، تكون كلمات «التضامن» و»الأخوة» من بين الكلمات التي زاد عدد الاستشهادات بها خلال فترة الحجر الصحي. في الوقت نفسه، تراجعت الكلمات «الفردية» و»النجاح» الفردية بشكل ملحوظ. هذا الارتفاع في القيم الجماعية يتحدث عن الكثير عن عدم وجود جماعي يشعر به الضمير الإنساني اليوم. لأن هذا هو ما تقيسه هذه الكلمات: الشعور بأن قيم التضامن تتضاءل، وبالتالي يجب الدفاع عنها. في نهاية هذه الأزمة سيكون للجماعية أولوية للدول في تسطير سياسات ترفيهية قادرة على إخراج الناس من الحجر النفسي بعد الصحي إلى حياة سوية، هنا سيزداد التركيز على الترفيه خلال وقت العمل بنفس القيمة التي كان التركيز فيها على الترفيه خارج وقت العمل.
خامساً: الصحي والبيئي في الترفيه وخاصة المساحات المفتوحة فمن ناحية البشرية ستخرج مصابة ببسيكوز الخوف من الفناء ومن ناحية أخرى تحتاج للتعويض على ما لقيه العالم من حصر وحجر مخنقين وإشباع للرغبة في العودة للطبيعة النقية بعد ما شهده العالم من أهوال العولمة والصناعات الصيدلية والحروب الجرثومية ستكون هناك رغبة جامحة في الاستمتاع بالطبيعة قبل أن تزول الحضارة بعد ما ظهرت مؤشرات خطيرة منها شرائح التسيير عن بعد لبيل غايتس وما تمثله من خطر لقد استمرت نظريات «الفوندريست» في الارتفاع مع كورونا ليس هناك شك في أن وباء الفيروس التاجي وعواقبه سيعزز الاقتناع الذي شارك فيه بالفعل 42% من ألفي عينة تم سؤالها عن أكثر ما يخيفهم بأن «حضارتنا قد تختفي قريبًا».
سادساً: ترفيه عادل يكون اهتمام البشرية بالترفيه للمتقاعدين والشيوخ أكثر حوية وعلى قدم المساواة لاعتبارهم الضحايا الأكثر تألماً من الجائحة وأن البشرية وبعض الحكومات في حاجة للاعتذار إليهم حيث عوملوا بشكل لا إنساني حتى إن بعضهم أطلق تسمية هولوكوست الشيوخ تعليقاً على ما حصل في إيطاليا من إهمال لهذه الشريحة.