د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
كان على مشارف عام 2015 منعطف حاد، مرت به المملكة عندما شهدت أسواق النفط تحولاً هبوطيًّا حادًّا في أسعار النفط، وصلت لأقل من 30 دولارًا للبرميل، وهو أقل مستوى منذ عقد من الزمن. وكانت الميزانية السعودية تعتمد اعتمادًا كليًّا على إيرادات النفط مقابل ارتفاع في النفقات الحكومية؛ فقد عانت الدولة من عجوزات خطيرة.
قاد ولي العهد في 15 إبريل 2016 مرحلة تحول حقيقية، تسمى بمرحلة إعادة تأسيس، وإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي لفطمه من الاعتماد الكلي على مداخيل النفط، بل يتطلب أيضًا إعادة هيكلة القطاع النفطي لتحويله إلى قطاع إنتاجي؛ ليتحول إلى محرك للقطاعات التنموية الأخرى لتوسيع قاعدة الإنتاج.
رسم مهندس الرؤية خريطة طريق عززت مكانة المملكة على الصعيد العالمي؛ فقد شهد عام 2019 مجموعة كبيرة من الاتفاقيات والقرارات على جميع الأصعدة، السياسية والاقتصادية والتنموية، أسهمت في دفع عجلة التنمية، وكان من نصيب القطاع المالي إنجاز 17 مبادرة، أسهمت في تطوير السوق المالية التي جعلته أحد أكبر 10 أسواق عالمية، وارتفعت مشاركة المرأة إلى 26 في المئة في 2019 بنحو 1.12 مليون عاملة في القطاعين العام والخاص بعدما كانت 20.2 في المئة عام 2018، وخفضت نسبة البطالة إلى 12 في المئة بعدما كانت 12.7 في 2018، ولا تزال نسبة البطالة عند النساء 30.8 في المئة بنهاية 2019.
من برامج الإصلاحات الاقتصادية خلال أربعة أعوام من تطبيقها منذ 2016 ارتفعت الإيرادات غير النفطية إلى 1050 مليار ريال مقارنة بـ512 مليار ريال خلال أربعة أعوام قبل تطبيقها من عام 2012 إلى 2015؛ وهو ما يعني أن تلك الأرقام تشهد قفزة بنسبة 105 في المئة.
برؤية ولي العهد هناك أربعة ملفات شهدت نجاحات سعودية خلال عام واحد فقط 2019؛ وهو ما يعني نجاحًا سعوديًّا في إدارة ملفات اقتصادية كبرى، وكان أبرز تلك النجاحات طرح عملاق النفط السعودي أرامكو للاكتتاب؛ ما جعل السعودية تمتلك أكبر شركة عالمية وأعلاها ربحية، ونجاح صندوق الاستثمارات العامة، ورفع استثماراته 350 في المئة بأصول 320 مليار دولار رغم تراجع أسعار النفط، بالتزامن مع هبوط أسعار الشركات العملاقة عالميًّا بسبب كورونا. ونجحت السعودية نجاحًا مبهرًا في إدارة ملف النفط الذي انتهى إلى تأكيد قيادة المملكة السوق، وتفهُّم الجميع أن رؤيتها كانت الصواب عندما طالبت بخفض الإنتاج في مارس 2020.
الأزمة العالمية نتيجة فيروس كورونا فرضت إعادة تقييم، ليس فقط على مستوى الفلسفة الاقتصادية، بل كذلك على مستوى الأسس التي تقوم عليها مفاهيم التوازنات الجيواستراتيجية. وسيكون للقوى الإقليمية التي نجحت في احتواء الإنهاك الاجتماعي، وليس فقط الاقتصادي، أدوار مختلفة مستقبلاً بعد انحسار الجائحة، منها السعودية التي جعلت من الإنسان أولاً خلال التصدي لتلك الجائحة، وترجمته واقعيًّا على الأرض.
الأزمات رغم صعوبة مفاجآتها إلا أنها لحظات فارقة وكاشفة للقادة الملهمين، وهذا ما يشعر به المواطن السعودي وهو يجدد البيعة لولي العهد. ولن تتوقف الرؤية بقيادة ولي العهد عن إنجازاتها بعد حدوث هذه الجائحة، كما هو حاصل ومبرر في جميع أنحاء العالم، لكنها أعادت ترتيب أولوياتها بما تقتضيه الأزمة من قرارات شجاعة، وهذا ديدن القادة الذين يمتلكون رؤى مرنة على مَرّ الزمان والمكان.
أثبتت السعودية في ظل هذه الجائحة عدم تأثر الحياة اليومية بالكامل نتيجة قرار العمل عن بُعد؛ وهو ما يؤكد رصيدًا رقميًّا ومؤسسيًّا ضخمًا من الإنجاز الوطني خلال الأعوام الماضية التي مكنت السعودية من الصمود في مواجهة هذه الجائحة.