د.شجاع بن متعب بن غميض
الحياة لا تخلو من الكوارث والابتلاءات، وحدوثها له حِكم متعددة، وقد يخرج من ظلال الكارثة منح ربانية ووسيلة للتغيير للأفضل بتوفيق الله، فإذا كان من الطبيعي أن يركز الناس على الأضرار التي تنتج عن الكارثة، فإن المسارعة بالأخذ بالأسباب ومدافعة القدر بما شرعه الله عز وجل أوجب وأنفع، وهذا ما عُمل بمقتضاه لهذا الوطن العظيم بتوجيهات ولاة الأمر، وتميز قادة الأجهزة المعنية بتنفيذ التوجيهات في متابعة جائحة كرونا (كوفيد 19) وبذل كافة السبل لبناء الاحتياطات اللازمة لسلامة الوطن والمواطن من المخاطر المحتملة، فخرجنا بتجربة ثرية لإدارة الأزمة وتحققت العديد من النتائج الايجابية بفضل الله وتوفيقه، على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، والتي أبهرت العالم وأجبرته على محبة السعودية واحترامها، ومن هذه النتائج على مستوى الإدارة والتخطيط استخدام المنظومة الرقمية التي أثبتت فاعليتها بكفاءة وحققت أهدافها بتميز، عبر المنصات الإلكترونية المتعددة التي فعّلتها الحكومة في الوقت المناسب. وعلى مستوى الأمن الشامل حققت الجهات المختصة أهدافها، ونجحت في استخدام المسوح الميدانية، التي ساهمت في كشف العديد من المخاطر التي كانت تتربص بالمجتمع، ورصدت العديد من مواقع الأوبئة والأمراض الخطيرة التي تعتبر أشد ضرراً وأقوى فتكاً من هذه الجائحة بأضعاف مضاعفة، وضبطت الكثير من المخالفات والمخالفين للأنظمة والعاملين في الظلام، وكشفت المتسترين والخائنين للوطن، وعَرت الحاقدين وكشفت أهدافهم، وعلى الصعيد الاجتماعي أظهرت هذه الجائحة الوعي الجيد لدى المواطنين، ومحبة المواطن لوطنه وولائه لولاة أمره، وحرصهم على تنفيذ الاحترازات الوقائية للحد من أضرار هذه الجائحة من خلال الالتزام بالتباعد الاجتماعي، مع أن هذا الأمر غير مألوف ولا محبب في ثقافة الشعب السعودي وقيمه الاجتماعية التي بُنيت على التقارب والمشاركة الجماعية، في السراء والضراء، هذا التباعد الاجتماعي أدى للتقارب داخل الأسرة الواحدة وهذا بحد ذاته له عظيم الأثر في تعزيز الود بين أفراد الأسرة أكثر، فأدرك الكثير أهمية الأسرة واتضح للبعض أن كثيرا من الأعمال التي تبعدهم عن أسرهم يمكن جدولتها، وإعادة النظر في بعض العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة، وتقديم مصلحة الأسرة في جوانب متعددة، وأدرك المجتمع أهمية الأسرة (النووية) في بناء المجتمع أكثر من الأسرة اممتدة على رفيع قدرها وأهميتها.
من المؤكد أن الكارثة تظل كما هي؛ إذا لم تجعل وسيلة للتغيير، والمتتبع للتغيرات التي حصلت في وطننا يدرك النتائج العظيمة التي تحققت - بإرادة الله - وكانت الجائحة من مسببات وجودها، اعتراف العالم بثقل وأهمية المملكة وقيادتها الرشيدة، تحقيق الصدارة في حقوق الإنسان، ظهور قيادات وطنية فذة، ارتفاع مستوى الولاء للوطن، القدرات الفائقة للسعوديين والمهارة المميزة في مواجهة المخاطر في القطاع الأمني والصحي، بسالة المرابطين على الثغور وفي الثكنات، تطوير وسائل التقنية واستخدامها التطبيقات التقنية في الوقت المناسب بأيد وطنية، منحت للمجتمع تقييم العادات والتقاليد الاجتماعية، بينت الخواء الفكري لدى بعض من يطلق عليهم «مشاهير السوشيال ميديا»، وقبل هذا وذاك أكدت عظمة الشريعة الإسلامية في المعاملات والعبادات.
ستنتهي الأزمة -بإذن الله قريباً- ويبقى أهمية العمل والجدية فيه للمحافظة على ما تحقق من نتائج إيجابية، وتطويرها وتعظيم نتائجها لصالح الوطن والمواطن، وعلى الأجهزة الحكومية تغيير خططها وبرامجها للتحول للحكومة الإلكترونية بشكل كامل، وتقديم خدماتها بالوسائل التقنية عوضاً عن الطرق التقليدية، وألا تقل الهمة بعد انكشاف الغمة.
والله ولي التوفيق.