عبدالكريم الحمد
من خلال سنوات كروية عديدة نجد كثيرًا ممن في الشارع الرياضي السعودي، وبالأخص المتأزمون عاطفيًّا، والغارقون في وحل التعصب، انشغلوا بمقارنة ناديهم بالهلال، والشعور بقصور في العدالة، وحصول الأزرق على ما لا يستحقه بنبرة حزن تكسوها الشكوك والمظلومية كضحايا مؤامرة، مهدرين سنواتهم بترديد مقولة العجز والكسل «الشرير يكسب والطيب يخسر»، وعبارات لا حصر لها من افتراء وطعن في المنافسة الشريفة والعدالة؛ ليس إصلاحًا للواقع الكروي بل إشباعًا لغريزة النقص والاستنقاص من تاريخ الزعيم الذي كان - ولا يزال، وسيبقى - محور كل قضية يتناولونها.
سُنة الحياة تقتضي التفاوت في الأفضلية والنجاح بين الأفراد والجماعات كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}، وفسرها الطبري في تفسيره بقوله: «مخالفته بينهم فيما قسم لهم من الأرزاق والأخلاق, فجعل بعضًا غنيًّا، وبعضًا فقيرًا، وبعضًا قويًّا، وبعضًا ضعيفًا؛ فأحوج بعضهم إلى بعض, اختبارًا منه لهم بذلك». وهذا دلالة على أن مهمتنا في هذه الحياة ليست تقدير استحقاق الغير للنعم من عدمه، وتعويض الفشل بالحسد والسخرية، بل محاولة المضي في ركب الناجحين، والنهوض بطموحاتنا، ونفض غبار التشكيك وفكر المؤامرة عن عقولنا، بل نملأ وعاءها بالطاقة الإيجابية، والتحدي المحمود، والصمود.
سنوات مضت استنفدوا خلالها عقولهم بالتفكير بما لدى الهلال، وكيفية التقليل منه، ونعيش ونسمع مقارنة تملؤها الشفقة، والإحساس بالظلم لاستعطاف الآخرين في تصرف فردي وإعلامي بعيدًا كل البُعد عن الاتزان النفسي، والإيمان بالمنافسة الشريفة، وإعطاء كل ذي حق حقه. فالاستغراق في التفكير في أحوال الهلال وبطولاته لن يزيد في نفوسهم إلا النقمة والحزن والخسارة. انشغلَوا بتقييم تفاوت العدالة حتى فاتهم قطار الجهد المتوج بالنجاح دون السعي بالطرق المشروعة للمنافسة لنيل حقهم المشروع في المقارنة.
فقمة الشقاء هو عدم الإحساس بما لديك، وفقدان قيمتك وأهدافك. تمتع بالحياة بنية صافية صادقة، واشحذ همتك نحو أفق أوسع لإبهار الآخرين بدلاً من ممارسة ذر الرماد في العيون، وزرع الأحقاد، وتأليب الرأي العام دون أدنى مسؤولية لأجل تعويض شعور النقص، والقيمة المفقودة في ناديك. تمتع بالحياة، وتطلع لحال الناجحين بغبطة وبفكر خال من الحسد؛ لتنعم بروح رياضية شريفة، تقودك نحو سماء المنافسة كطريق مشروع نحو المقارنة المشروعة.. فالقمة فضاء رحب، يتسع للجميع.
قبل الختام:
يقول الأطباء: «الجهد المبذول في المقارنة مع الآخرين يضعك تحت ضغط عصبي وتوتر مستمر».
والحياة تقول: «مَن راقب الناس مات همًّا».