أ.د.عثمان بن صالح العامر
أبكاني مشهد دكاترة البحرين وقد فاجأهم برنامج المعايدة الذي يسجَّل معهم بعوائلهم وهم يبادلونهم المباركة، ويهنئوهم بالعيد، وفي الوقت ذاته يفضون بمشاعرهم صبيحة أول أيام العيد وجهًا لوجه مع الأب والأم والزوج والزوجة في برنامج خاص عنوانه (ولأن عوائلهم بعيدة.. قربانهم). الزوج يبث أشجانه نحو زوجته الدكتورة التي بقيت مرابطة في الصفوف الأولى من فريق البحرين الواقف حماية للمجتمع - بعد حماية الله وحفظه - من فيروس كورونا، والزوجة إزاء زوجها الذي لم يستطع أن يتمالك نفسه فهزه الموقف وأبكته الكلمات وهو أول عيد يكون فيه بعيدًا عن زوجته وأولاده، والأطفال يعلنون فخرهم وسعادتهم بأمهم التي نذرت نفسها حماية للمجتمع، ويقولون لها (عيدك ماما مبارك)، والمشهد الرابع لأطفال يرسلون أجمل عبارات الحب في هذه المناسبة السعيدة لأبيهم في الميدان.
أسرني الإبداع والاحترافية في قدرة المخرج على جعل المشاهد يقرأ ما خلف الكلمات، ويعيد رؤية المشهد مرات عديدة؛ ليسبر الفعل وردة الفعل من خلال حركات الجسد أكثر من استماع الكلمات. يعيش بكل أحاسيسه مشاعر هذه الأسر صبيحة العيد.
مليئة الدنيا بالمشاهد والحكايات التي تُبكي في يوم فرح، أشدها مشهد الأطفال المشردين خارج أوطانهم في العراء وقد قُتل الأب، وبقية الأسرة بلا عائل. أعز أمنياتهم في يوم العيد العودة للدار ولا دار، وللضيعة وقد ضيعت فضاعت.
أعتقد أننا بحاجة إلا مثل هذه الهزات الشعورية التي توقظنا من غفلتنا عما نحن فيه من نعيم، وقد أصبحنا يوم عيدنا في بيوتنا ومع زوجاتنا وأولادنا وقد لبسنا الجديد، وأكلنا وشربنا فرحًا بالعيد، ومع ذلك يتبرم الواحد منا من قرار الحجر الكلي - ولو لم يظهر ذلك قولاً باللسان - الذي لم يفرض في النهاية إلا من أجل تحقيق الصالح العام، ولحمايتك وحمايتي، وحماية أُسرنا وأهلنا من خلفنا؛ فنحن المجتمع الذي يراد تحقق سلامته وضمان صحته.
فيروس كورونا هو في حقيقته للمتأمل الواعي، لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، هزة عنيفة، توقظ الغافل، وتذكِّره بمن هو في ميزان الرب، وقدر الدنيا عند الله. وما أروع ما قال فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد في خطبة عيد الفطر المبارك بالمسجد الحرام هذا العام: «عجيب أمر البشر، من دروس هذا البلاء أن أصبح أقصى أماني الناس أن يعودوا إلى حياتهم السابقة، التي كانوا غافلين عن جمالها، ووفائها، أدركوا معنى الحديث: (من بات آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)». يقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: «من لطائف اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر: أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى، وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين، تعلق قلبه بالله وحده. وهذا هو حقيقة التوكل على الله». وبإذن الله فإن فرج الرب قريب. دمتم بخير. وإلى لقاء. والسلام.