عبدالعزيز السماري
نحتاج إلى التغيير في أمور كثيرة، لكن التغيير له أوقات، ويحتاج إلى «تهيئات» لحدوثه. ودومًا ما تؤدي التغييرات المفاجئة إلى نتائج لم تكن في الحسبان؛ لذلك التغيير أثناء الأزمات المستقرة خطأ لا يختلف عليه اثنان؛ فالوضع كان يجب أن يكون محل دراسة قبل إصدار قرار ينسف الأسس التي بُنيت عليها القرارات السابقة..
لذلك كان قرار منظمة الصحة العالمية إيقاف علاج الهيدروكسي كلوروكوين والتحذير من استخدامه غير صائب، وفي عجلة، أفقدته الصواب؛ فالوباء يتلاشى، وفي الطريق إلى السيطرة عليه، وقد بُني على دراسة لا تنم للواقع بصلة؛ فتجارب كثير من الدول التي تبنت استخدامه كانت إيجابية، ولم تعانِ من ارتفاع وفيات أثناء استعمالاته.
كان النقد من قبل العلماء قاسيًا من مختلف أنحاء العالم لتلك الدراسة التي يلفها الشك حول مصالح الشركات ضد الإنسانية، وهل لهذه الدرجة وصل سعر سهم الشركة إلى أن يكون أهم من حياة الإنسان؟ وهل تحول وباء كورونا إلى أن يكون مصالح تجارية واستثمارية، وتحولت الأجواء الصحية إلى مسيسة بين الرئيس الأمريكي والمنظمة؟ وقد أعلن الرئيس مؤخرًا القطيعة الكاملة للمنظمة بعد قراراتها الخاطئة أثناء الأزمة..
رفضت دول عديدة الانصياع لأوامر منظمة الصحة العالمية؛ لأنهم لديهم خبراتهم وتجاربهم وأرقامهم التي تثبت العكس، وخصوصًا بعدما تبيّن أن الدراسة التي نُشرت في لانسيت احتوت على معلومات مغلوطة وغير صحيحة. ومن هذه الدول إسبانيا والهند والبحرين؛ فقد ركنوا إلى تجاربهم الناجحة مع العلاج الثلاثي المعتمد، الذي منه الهيدروكسي كلوروكوين.
كنتُ دومًا أطالب بإبعاد المصالح الخاصة عن الخدمة العامة؛ فمن خبرتي الطويلة نسبيًّا في مجالي كنتُ شاهدًا على تزاحم وفود شركات الأدوية وعروضهم للتأثير على الطبيب لوصف أدويتهم حتى لو كان الخيار الآخر أفضل. وتوجد أمثلة مشابهة ومروّعة في القطاع الخاص. وتلك كانت صور مصغرة لما يحدث في العالم الآن؛ فالسباق متوحش من أجل نيل بطاقة علاج ولقاح كورونا، والحل يكون بإبعاد الحل الناجح والرخيص عن الاستعمال اليومي.
دواء مرخَّص له منذ 2005، ويُستخدم منذ ستين عامًا، ويعرفه جيدًا أطباء الروماتيزم، ودومًا ما يوصف بدون تحذيرات ولملايين المرضى حول العالم، وتعتبره منظمة الـCDC الأمريكية آمنًا في مختلف الأحوال، وأثناء الحمل، فلماذا أصبح فجأة خطيرًا، ويقتل المرضى؟.. الإجابة: فتش عن المال، الذي أفسد الذمم، فكيف لا يفسد صحة الإنسان؟..
تحتاج الدول في هذا العصر إلى شيء من الاستقلالية في إحصاءاتها، واتخاذ قراراتها، وأن تكون كوادرها مؤهلة للخروج بقرار وطني، فيه مصلحة الجميع، وأن تتخلص من التبعية العمياء؛ فالآخرون لديهم مصالحهم، والمنظمة لم تعد كما كانت؛ فهي تُدار الآن من أجل مصالح، وإذا لم نستقل عن أجندتها الخفية قد نقترف أخطاء جسيمة في طريق الخروج من الوباء.