لم يشهد العالم من قبل، مثيلاً لجائحة كورونا الحالية، ولم يعان في تاريخه الحديث كما يعاني اليوم من هذه الجائحة وتداعياتها المؤلمة على الدول الغنية والقوية قبل الدول الفقيرة والضعيفة.
المملكة ليست استثناء من هذا العالم، فقد طالها من الأزمة ما طالها، وتحمّلت الكثير وما زالت، من أجل حماية المواطنين والمقيمين من هذا الوباء، ولا نقول سوى الحمد لله، فقد كانت المملكة أفضل من غيرها في التعامل السريع والحكيم والإنساني مع الأزمة في جميع مراحلها وفصولها.
في هذا المقال لن أتحدث عن الدعم السخي الذي قدَّمته المملكة للقطاع الخاص والمواطنين، ولن أتحدث عن الدعم المماثل المقدَّم لمنظمة الصحة العالمية، ولن أتناول جهود المملكة لتنسيق الأدوار بين الدول الكبرى لمواجهة تداعيات الفيروس، من خلال رئاستها مجموعة العشرين، ولا سأتطرق إلى حزمة الإجراءات الاحترازية المتخذة للحد من انتشار الفيروس، فكل هذه الموضوعات تحدث عنها كتّاب آخرون، وأعطوها حقها من الإشادة والتقييم.
ولكن ما لفت نظري حقاً، آلية تعامل المملكة مع الأزمة، فهي أدركت أن وباء كورونا ليس أزمة صحية، تبقى في ذمة وزارة الصحة، وإنما هي أزمة صحية واجتماعية واقتصادية وإنسانية، ولكل شخص في البلاد دور لا بد أن يقوم به على أكمل وجه، وتتكامل الأدوار فيما بينها، لتشكِّل حلاً مناسباً ونهائياً لعلاج الأزمة، وتجسدت هذه الآلية في فتح باب التطوّع لكل من يرغب في مساندة الجهاز الطبي لمواجهة جائحة كورونا، كلٌّ في تخصصه ومجاله.
كم كانت رؤية المملكة 2030 ذكية عندما أولت اهتماماً خاصاً بالقطاع غير الربحي، وأطلقت عليه القطاع الثالث، وكم كانت هذه الرؤية طموحة وهي تخطط لمستقبل أفضل للبلاد ولمجتمع متماسك، عندما أعلنت عن رغبتها في أن تحتضن المملكة مليون متطوع بحلول عام 2030، يقدِّمون خدماتهم وخلاصة خبراتهم في الكثير من المجالات. ولا نعتقد أن هناك أزمة يجتمع عليها المواطنون والمقيمون أهم من أزمة كورونا، بكل تداعياتها وتأثيراتها.
يقيني أن منصة «التطوّع الصحي» ستكون إحدى الوسائل المساعدة في التغلّب على الجائحة، ليس لسبب سوى أن التحالف والتعاون والتنسيق لا بد منه في مثل هذه الأمور، وعندما يقبل نحو 79 ألف شخص للتطوّع تحت مظلة هذه المنصة، فهذا دليل على الرغبة القوية من أفراد المجتمع على الوقوف بجانب أبطال الصحة في حربهم ضد «كورونا»، فضلاً عن كونه تلبية للواجب الوطني، واستثمار ناجح للخبرات والمعرفة لدى المتطوّعين في خدمة المجتمع، وخصوصاً أن التطوّع لم يقتصر على الممارسين الصحيين، وإنما شمل أيضاً أصحاب الخدمات المساندة، مثل الإعلام والعلاقات العامة والتقنيين ومتخصصي الإدارة والترجمة، إلى جانب طلاب الجامعة والثانوية العامة.
أعيد وأكرر أن التطوّع سمة من سمات الدول المتطوّرة والمتقدّمة، ودليل تفاعل أفراد المجتمع لتحقيق أهداف سامية في الوصول للتنمية المستدامة، هذا القطاع اليوم من أهم أعمدة الاقتصاديات المعاصرة، بل إنه السبيل الوحيد لتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي المنشود والعدالة في توزيع الثروة، فضلاً عن تعظيم خدمة المجتمع وتحقيق الأهداف التنموية في المجالات التي تعجز آليات السوق عن القيام بها. وهذا المشهد يعزِّز لدى الجميع الأمل والتفاؤل بأن نتجاوز أزمة كورونا «نفسياً» و»صحياً» في وقت قريب جداً.
** **
Majalbrikan