رمضان جريدي العنزي
التعصب والعنصرية مرضان نفسيان مستعصيان، ينخران في جسد المجتمعات حتى يضعفاها، ويوهناها، ويلقياها في غياهب الجب. أبدًا هما مثل الحماقة، ليس لها دواء. للتعصب والعنصرية منعطفات ودهاليز وبؤر ضيقة كخرم الإبرة، ولها روائح كريهة، وأصواتها مزعجة، تشبه أصوات الضفادع والبوم والغربان. لهما سواد وعتمة ورمادية، ويؤديان للنكوص والتخلف. المجتمع الحي المدرك الواعي ينبذهما، ويلفظهما، ويرميهما بحجر كبير. إن المجتمع الحي المثقف الواعي هو الذي يهدم جدران التعصب وصروح العنصرية؛ كونه لا يؤمن بهما، ويعتبرهما من معوقات ومصدات الرقي والطموح والتحدي ومجاراة العالم المتقدم؛ كونه يؤمن بالعلم والعمل والثبات والإبداع والاختراع، ويبحث بجد عن طرق البناء، وتأسيس الحضارة. إن المجتمعات التي تؤمن بالتعصب والعنصرية، وتتخذهما نبراسًا ومنارة، وتصيح عليهما، لن تتقدم قيد أنملة أبدًا حتى تقضي على التعصب، وتميت العنصرية، وتدفنهما للأبد المطلق. إنّ العنصرية والتعصب يهدمان القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية، ولا يجلبان سوى إثارة النعرات القبلية والتميز الطبقي، وهما تربة صالحة، تنمو فيها نباتات (الهياط) الذي يشحن الناس، ويأخذهما نحو دوائر الرجعية والتخلف. إن العنصرية والتعصب داءان خطيران أشد من (كورونا)؛ كونهما يتنافيان مع كرامة الإنسان ومبدأ العدل والمساواة. إن الدين الإسلامي رسخ مفهوم الكرامة بغض النظر عن اللون والجنس واللغة والعرق، وجعل العزة والكرامة حقًّا أصيلاً لكل إنسان، وهذا الشيء ثابت، ولا يجوز الانتقاص منه؛ لأنه شرف من الله للإنسان، وتكريم له. إن التعصب والعنصرية شيئان بغيضان ومنتنان، يسهمان في بث الفرقة، وينخران في جسد اللحمة الوطنية، ويفسدان المجتمع، ويفتان من عضده، ويجرانه نحو مستنقعات الجهل والظلام، ولهما آثار وخيمة، وعواقبهما سيئة. إن تجريم التعصب والعنصرية بأنواعهما وأشكالهما كافة يجب أن يعمل به، ويتم التعامل معه وتطبيقه بحزم. إن المؤسسات التعليمية يقع على عاتقها التصدي لهذا الداء من خلال وجود مناهج تعليم، تشدد على نبذ التعصب والعنصرية، وتوعية الطلاب والطالبات في كل المراحل الدراسية وحتى الجامعية بخطورة هذا الأمر وتجريمه، حتى ينشأ جيل واعٍ بعيد عن النعرات الطائفية والمذهبية، وحتى يتم القضاء على والتخلص من هذين البلاءَين الذميمَين. إن كل مَن يمارس التعصب والعنصرية ويدعو لهما يجب أن يحاسَب ويعاقَب فرًا وبشدة؛ حتى يكون عبرة لغيره، وإلا فإن المشكلة ستكون قائمة دون حلول حقيقية وجذرية، ولاسيما ونحن في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبح من خلالها الانتقاص من الآخرين يحدث بسهولة ويسر، وبلا ضابط أو رابط. إن العنصرية والتعصب مرضان يصيبان العقل، وينخرانه حتى يتبلد. إن العقليات الواهمة الزائفة التي أفرزت هذه المفاهيم البائدة على مر السنين قد أحدثت شرخًا كبيرًا في المفهوم الإنساني وطرق التعايش والتفاهم بين الناس وفق مبادئ العدل والمساواة التي نادى بها ديننا الإسلامي الحنيف المرتكز على أن الجنس البشري واحد، يسكن كوكبًا واحدًا، ومرتبط بمصير مشترك واحد. إن بلادنا -حفظها الله- جسدت المعايير الدينية والدولية لحقوق الإنسان، ودعت في كل المحافل الدولية والإقليمية لتثبيت هذه المعاير، وأسهمت إسهامًا فعالاً ومكثفًا في هذا الشأن؛ حتى يعيش الناس في كنف العدل والمساواة بعيدًا عن مهاترات العنصرية، ولغو التعصب.