إبراهيم بن سعد الماجد
وبما أن القطاع الخاص، ذلك الطفل المدلل الذي يجسّد هيكل الاقتصاد، ومعمل الثورة الرقمية المتصدر في كل المجالات على أنه صاحب الحلول السحرية في وجه بيروقراطيات الدول وقلة إنتاجيتها، اختفى وصمت فجأة ولم يحمل العبء الذي كان ينبغي أن يتحمله على العكس، هو ينتظر انتهاء الأزمة ليفتح فمه مطالبًا بالتعويضات عن الخسائر.
ومن جانب آخر ضاع وقت كثير في مهاترات العنصريين حول الهويات الوطنية والفروقات الثقافية، وعن الجهد المبذول في محاربة طاحون هواء الإرهاب الذي يبدو جليًّا الآن فكم نحن مترابطون، يعتمد أحدنا على الآخر لا لشيء إلا لوحدة المصير.
لقد انقلبت الأوضاع، تبدلت التنبؤات، وتغيرت التوقعات. عام 2020 ليس كسابقه، طموحات التوسع والتمدد تكلست تحت وطأة زائر مفاجئ مخيف اسمه كورونا.
رحلات الطيران شرقا وغربا تباطأت، وعائدات السياحة في العالم كله تتراجع، فهلع الإصابة أقوى من شغف الترحال والتجوال. تدفق الأموال وحركة التجارة بين الدول تعطلت، وبعض السلع ستصبح أغلى مما نتصور لأن السعي لجلبها تراجع في ظل توقف الاستيراد.
لقد انقلبت حياة البشرية رأساً على عقب، وأتى الفايروس ليعري البشرية وليقول لهم تريثوا ويوصل رسالة للإنسان انه ما زال جزءا واحدا من مخلوقات هذا الكوكب، وأنه ليس سيد الكرة الأرضية ويجب أن تحترم حجمك ومكانتك لكي يحترمك باقي المخلوقات على وجه البسيطة، فأغلقت المدارس والجامعات والكليات والدروس الخصوصية، وعطلت المصانع ومكاتب العمل والمسارح والمطاعم ودور السينما ومراكز التسوق، وأُلغيت الندوات واللقاءات والمؤتمرات، وعلقت الرحلات الدولية، وألغيت كل الفعاليات والتجمعات بما فيها الصلاة في المساجد، وتحولت إلى حياة هامدة راكدة إذ أضحى الإنسان حبيس بيته، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي نكتة عابرة للحدود، تحمل في طياتها مغزى كبيراً في هذا التوقيت العصيب الذي أعاد الاعتبار لقيمة العلم أمام تصدع الخرافات، وتقول النكتة الطريفة التي سرت سريان النار في الهشيم بأن: باحثة بيولوجية ردت على المطالبين بإيجاد لقاح لفيروس كورونا بالقول: «تمنحون للاعب كرة قدم مليون يورو شهرياً وللباحث البيولوجي 1800 يورو، وتبحثون عن العلاج الآن؟ اذهبوا لرونالدو أو ميسي ليجدوا لكم اللقاح».
ونحن نقضي الحجر الصحي والعطلة القسرية في البيت بفضل كورونا يجب أن نفكر دوما ونقلق حيال مصير ملايين الفقراء والمحتاجين الذين يكسبون قوتهم اليومي بالكد كل يوم وقد يقتلهم الجوع والبرد، وفي خضم هذا الهلع والرعب نسي الكثيرون منا اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وعلينا بالصبر والرضا والاحتساب، وإن مثل هذا البلاء آية سماوية تهدف إلى التذكير والعظة والدعاء، فنحن نؤمن بأن هذا الكون في يد رب رحيم، يمكنه في لحظة أن يغير الوضع من الجيد إلى السيئ وفي لحظة أخرى أن يغيرها من السيئ إلى الجيد، والأخذ بالأسباب المادية المشروعة مع التوكل على الله: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاء» لذا يجب أن نتعلم من أزمة كورونا أن نتلاحم ونتآلف ونتفاعل اجتماعيا وان العالم سيتغير بعد كورونا وستظهر ثقافة ما بعد كورونا تعلمنا الكثير والكثير وربما ستعلمنا الإنسانية، وينبغي اتباع نصائح الخبراء والمختصين والأطباء وعدم تبسيط الأمر أو التنكيت عليه، كما يجب علينا الابتعاد عن الخزعبلات، فإلى حدود الساعة لم يتوصل العلم لعلاج للمرض، والحل الأمثل الوقاية من العدوى، والعناية بالنظافة واتباع نظام غذائي طبيعي، والابتعاد عن المنتجات الغذائية المتضمنة لمواد حافظة، لأنها تضعف المناعة ولا تقويها، وفي حالة الإصابة بالفيروس ينبغي تقوية مناعة الجسم لمواجهة الفيروس، وينبغي أن يكون هذا الفيروس درسا وموعظة لنا جميعا، ينبّهنا إلى ضعفنا وقلّة حيلتنا أمام قدرة العليّ العظيم جلّ شأنه.