أ.د.عثمان بن صالح العامر
هذه رسالة للتاريخ، أكتبها لمن هم اليوم في عالم الغيب، أنقل لهم من خلالها تفسيراً لما سيشاهدون من صور ومقاطع من عام 2020 جزماً ستثير هذه المشاهد الدهشة لديهم، وستبعث عندهم علامات التعجب، وسيطرحون أسئلتهم واستفساراتهم العديدة، وقد لا يكون حينها من الأحياء من عاش أحداث هذا العام فيفسر لهم ما أشكل عليهم ويزيل اللبس الذي خالط أذهانهم.
- سترون الحرمين الشريفين (المكي والمدني)، بل ربما ستشاهدون صوراً لمساجد المسلمين بمصلين قليلين وصفوف متباعدة، وقد تكون مغلقة لا تُقام فيها الصلوات الخمس ولا الجمعة، بل ولا حتى صلاة العيد وفي أفضل شهور العام على الإطلاق.
- ربما تمر بكم صورة رجل جاء بسجادة صلاته من بيته ووضعها فوق فرش المسجد ليصلي عليها.
- سترون الناس تصلي متباعدة ومتلثمة إما بكمام طبي أو بطرف الشماغ.
- سينقل لكم أحدنا صورة للمسجد الذي يصلي فيه اليوم وهو خال من المصاحف (رفعت المصاحف من الأدارج في جميع المساجد).
- سيمر بك مشهد صباح يوم عيدنا بلا موائد ولا اجتماعات على غير ما هو مألوف ومعتاد عليه في مجتمعنا.
- ستقرأ عن التعليم أنه صار عن بعد، وعن الصحة أنها صارت جيشاً أبيض يخوض حرباً حقيقية، عن المناسبات الاجتماعية أنها صارت محدودة العدد، عن السفر إلى الخارج خلال إجازة نهاية العام أنه توقف بالكامل، ستتعرّف على مصطلحات جديد عرفناه للتو(التباعد الاجتماعي)، (كلنا مسؤول) (خلك في البيت) (الحجر الكلي) (تطبيق توكلنا).
- ستعرف أن جدك أخّر زواجه الذي كان مقرراً أن يكون في شهر شوال من عام 1441هـ لعام هجري جديد 1442هـ.
- سترى صورة لصفوف الواقفين في طابور المؤسسات الحكومية والخاصة بين الشخص والشخص الآخر مترين على الأقل.
- سترى مشاهد وصوراً.. ستقرأ مقالات وكتباً.. ستستمع ممن سبقوك كلامهم مسجلاً صوتاً وصورة وهم اليوم في عداد الأموت.. احذر أن تنزع ما تراه أو تقرأه أو تشاهده من سياقه التاريخي، وكن أشد حذراً من أن تكون ضحية التزوير والتحريف الذي قد - أقول قد - يقترفه بعض كتَّاب صفحاتنا التاريخية.
أيها الجيل الذي هو اليوم في عالم الغيب: لقد وقع في العالم جائحة عُرفت باسم فيروس كورونا المستجد، (كوفيد - 19)، وكان من أهم وسائل تجنبه التباعد الاجتماعي الذي أوجب على صنَّاع القرار اتخاذ عدد من القرارات والإجراءات الوقائية التي تقلِّل عدد الإصابات بهذا الفيروس الخطير لمدة زمنية محددة، وكان لهذه الأوامر والتشديدات أثرها الإيجابي بفضل الله عزَّ وجلَّ ثم بحنكة وسياسة وحكمة وحرص ولاة أمرنا - مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسيدي ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - اللذين عرَّفا العالم أجمع ماذا يعني مصطلح (حقوق الإنسان) بعيداً عن المماحكات الكلامية، والمؤتمرات الجدلية، والفقاعات الإعلامية التي أزعجنا الغرب متبجحاً بها سنوات طويلة، وحين جاءت ساعة الصفر سقط في تحقيقها داخل حدود دوله، ولمواطنيه الأصليين فضلاً عن غيرهم، في الوقت الذي أمر فيه قادة بلادنا بتوفير الرعاية الصحية الكاملة للمواطن والمقيم والزائر والمخالف لنظام الإقامة فكنا في عام 2020 سادة العالم، وكان الكل يتمنى أن يكون في ظل هذا الظرف العالمي العام داخل حدود هذا الكيان العزيز المملكة العربية السعودية. ودمتم عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.