ميسون أبو بكر
ما أجمل زحمة خريص، والعودة لروتين الحياة، وما أجمل الرياض وهي تعود لسابق عهدها قبل كورونا، ما أحلى الاستيقاظ باكراً، وكل الأمور التي كنا نضجر منها من قبل واشتقناها جداً فترة الحجر ومنع التجول، كان اليوم الأول بعد عودة الحياة والعودة للعمل مشهوداً، فقد هرولنا إلى روتيننا الذي كنا من قبل نتذمر منه، وارتسمت ضحكاتنا وابتساماتنا على وجوهنا وتقبلنا كل ما كان يزعجنا دون ضجر.
عادت سيارات الأجرة الخضراء، فتحت المقاهي للأصدقاء، والمولات عرضت بضاعتها للغائبين عنها منذ أشهر، لا أبالغ إن قلت أنني ارتبكت في قيادتي، وأنني نسيت الطرق التي كنت بدأت أحفظها دون الاستعانة بالخريطة الإلكترونية (google map)، وأنني بدوت وكأنني أقود سيارتي للمرة الأولى بعد حصولي على الرخصة قبل عامين، كان الوضع مختلفاً وكانت الأماكن تشتاقنا كما نشتاقها، قبل أن أصل لمشواري الأول لم أستطع أن أقاوم الشارع الذي تتعانق أشجاره وتظلل المركبات الواقفة على جانبيه، شجرة الجهنمية الفاقعة اللون، والياسمينة الهندية التي ظللت السيارة الواقفة تحتها، أوقفت سيارتي على جانب الطريق وتأملت المشهد لأستمتع بخلق الخالق، وصورتها سناب لأرسلها لآلاف المتابعين الذين تتابعت تعليقاتهم واكتشفت أن حالهم حالي. مررت بالشوارع التي أغلقت بسبب الأعمال القائمة لقطار الرياض ولم أستأ من التحويلات والطرق المغلقة والشوارع التي لم ترصف بعد، لوحت بنظري لكل الأماكن التي مر علي أشهر ولم أزرها.
الرياض الرياض.. تحولت أنشودة لساكنيها وعشاقها، قصيدة غازي القصيبي»أنت الرياض» ترددت على البرامج الإذاعية وقنوات اليوتيوب وغرّد بها كثيرون، صار للقصيدة عمق جديد ومعنى نستشعره بكل حواسنا.
أحبك حبي عيون الرياض
يغالب فيها الحنين الحياء
أحبك حبي جبين الرياض
عناء الرياض صغار الرياض
وحين تغيب الرياض
أحدق في ناظريك قليلاً
فأسرح في الوشم والناصرية
وأطرح عند خريص الهموم
الحمد لله ومثل ما يقول أجدادنا وآباءنا الله لا يغيّر علينا، عادت الحياة إلى عروقنا وإلى شرايين الرياض، ضجت الأماكن التي أقفرت من زوارها، تنبهت إلى المشروع العظيم الذي لم يتوقف «الرياض الخضراء» والأشجار والأزهار التي تطوق الطريق وتكسو الأرصفة، وقبل الثامنة كان يتسابق الناس ليصلوا منازلهم قبل الساعة المحددة لبدء منع التجول. كانت كورونا فرصة لإعادة النظر والتفكير فيما حولنا، وفي الأشياء التي كنا نضجر منها، والروتين الذي لطالما تذمرنا منه، فتسابق الناس للصلاة في بيوت الله، وإلى أعمالهم ووظائفهم بشوق بعد أن ضجروا التباعد الاجتماعي والقوانين الصارمة التي فرضتها كورونا.