د. عائشة الفيحان
بين الـ(أنا) والآخر علاقة جدلية لا يمكن إلغاؤها أو تجاهلها، فالثنائيات موجودة في الطبيعة بين الأبيض والأسود والنور والظلام... إلخ؛ لذا يستحيل وجود آخر دون أنا، وتقاس المسافة بين الذات والآخر بالاختلاف مهما كان حجمه وشكله، فأي اختلاف ما ديني أو عرقي أو ثقافي يشكل هذه المسافة، وبناء على حدة هذه المسافة والتوتر الناتج عنها تتموضع الذات ويتشكل الآخر، فقد يكون الآخر عنصراً يؤدي دوراً محورياً في حياتنا وحياة محيطنا كلياً، إذ ممكن أن يكون صديقاً أو عدواً، مناقضاً أو مماثلاً، وينطبق حينئذ ما ذهب إليه سارتر بـ: «أن الجحيم هو الآخر» وقد لا ينطبق إذا كان هذا الآخر يشعرنا بالألفة أو لا يعتد بآخريته ويعمل على تذويبها ولو إجرائيا ليكون مندمجا معنا ومع محيطه مهملاً هذا التمييز والتوتر الذي تفرزه المسافة، أي يعمل على تذويب العنصرية والتمييز التي يعاني منها شعوب العالم أجمع.
إن الحديث عن العنصرية أمر لم يعد جديداً، ومحاولة إلغائها جذرياً غير ممكن، فهي نزعة متأصلة في النفس البشرية، وتعمل على تغذيتها الصور الذهنية الموبوءة بداء التمركز حول الذات والقائمة على الإقصاء والهيمنة والتعطش للاستنقاص من الآخر مهما يكن وبمبرر أو بلا مبرر أحياناً، ومع أن إلغاءها غير ممكن فإن بالإمكان الحد منها إلى أبعد مدى إذا تم زرع قيم مناقضة لها في نفوس الشعوب والمجتمعات، وزرع نقيضها في النفوس لن يكون إلا بالآلية التي زرعت بها في النفوس أيضاً، كالأحداث، والخلفيات، والتراكمات عبر السنين، فالناظر إلى وسائل زرعها في النفوس سيجد أن منها النكات والتعليقات الجارحة التي تسيء إلى الآخر بقصد أو دون قصد. إن الخطير في الأمر أن هذه التصنيفات من شأنها أن تفتت الشعوب كما أنها تقسم أبناء الوطن الواحد إلى جزئيات صغيرة وتعزلهم عن بعضهم وبذلك تضعفهم، إن الآلية الأكثر جدية للحد من طغيان هذه النزعة لا يمكن أن تكون إلا بسن قانون يجرم من يتعامل بنزعة آخرية، وتعال أنوي.
لقد شهدنا الأحدث التي حصلت في أعظم الدول من تمييز عنصري لأحد مواطنيها ضد الآخر، وما نتج عن ذلك من كراهية وعنصرية بين أبناء الوطن الواحد والأضرار التي لحقت نتيجة للفوضى، وبالإمكان أن نتعلم الدرس من هذه الأحداث.
من الطبيعي أن يتنوع أطياف البشر داخل المجتمع الواحد من مواطنين وغير مواطنين من بدو وحضر، وينطبق هذا على أبناء المملكة والعاملين فيها، لكن المملكة كانت وما تزال صارمة في هذا الأمر ولا تسمح بسلوك مثل هذا البتة، وهذا ما يحسب للدولة وللمجتمع أيضاً، وهو ما نأمل أن يستمر دوما، ونأمل أن يُسن قانون يثبت ذلك يجعل منه ثابتاً من أهم الثوابت التي تحفظ الأمن في هذا الوطن الحبيب، انطلاقا من أن معالجة هذا الأمر لا يكون بمقال ولا محاضرة أو كتاب، إنما بقوانين تجرم من ينبذ الآخر، أو يتعامل بنزعة تحط من فئة مجتمعية أو تعلي من أخرى على حساب غيرها. وتثبيت قاعدة أن العنصرية ليست من الحضارة والإنسانية في شيء.
وعليه يمكن التأكيد أن الدين لله، والوطن الحبيب يتسع للجميع، فكل من يحب وطنه ويعتز بالانتماء إليه لا تعنيه التصنيفات والنزعات، وإنما تعنيه الوحدة والقوة والمنعة، ونحن أحوج ما نكون إلى ذلك لا إلى التفرقة والشتات.