د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
استعمل المصطلحان حينًا بمعنى واحد وهو نقل مسموع أو مكتوب من لغة إلى العربية، ولكن صار بينهما خصوص وعموم؛ إذ استعمل التعريب لما هو أعم من الترجمة، وذلك بالتدخل في مضمون النص الأصلي بمقتضى أحكام اللغة الهدف أي المترجم إليها، كأن يزاد فيه ويغير فيه ما يلبي حاجة مختلفة كما فعل رفاعة رافع الطهطاوي؛ إذ كان لسعة علمه بالعربية ينتقي من ألفاظها ما يكافئ المصطلحات الأعجمية، ومثله محمد عثمان جلال في كتاب (الروايات المفيدة في علم التراجيده) طبع عام 1311هـ وهو ترجمة لبعض روايات راسبين، قال «فاخترت من كتابه ثلاث روايات ... وهي أشبه شيء بالفرج بعد الشدة وبلوغ الأمل بعد مدة، واتبعت أصلها المنظوم، وجعلت نظمها يفهمه العموم، فإن اللغة الدارجة أنسب لهذا المقام، وأوقع في النفس عند الخواص والعوام»(1)، وزكي نجيب محمود الذي قال «وبديهيٌّ أن كتابًا في النقد الأدبي لا بد له أن يسوق الأمثلة والشواهد للبيان والإيضاح، وبديهيٌّ كذلك أن من الأمثلة ما يفقد في الترجمة موضع الاستشهاد، بحيث لا تعود له دلالته التي أريدَ له أن يُوضِّحها، فلمْ يكُن لي بدّ من التصرُّف الشديد؛ فأمثلة حذفتها حذفًا وحاولت جهدَ المستطاع أن أستبدل بها أخرى من الأدب العربي، تدلُّ بعضَ الدلالة على ما أراد الكاتب أن يُوضِّحه، وأمثلة آثرت نقلها إلى العربية؛ لأن الترجمة لا تُفْقِدها الفكرة»(2)، وأما مصطفى لطفي المنفلوطي فلم يكن يتقن لغة أجنبية؛ ولكنه اعتمد على التراجمة في نقل الأصول ليستوعبها ثم يعيد كتابتها بلغته العربية(3).
والمشهور الآن أن الترجمة هي النقل إلى العربية أو منها، والتعريب جعل الشيء عربيًا فيشمل هذا وضع كلمات عربية مقابل كلمات أعجمية لا مقابل لها في العربية، ووضع مقابل للمصطلحات والكنايات، واستعمال العربية في التعليم والعمل والإدارة فيقال تعريب التعليم وتعريب لغة العمل وتعاملاته ولغة الإدارة.
وكانت الترجمة معتمدة على الجهود البشرية حتى سعت التقنية بما لها من ذكاء اصطناعي إلى الترجمة الآلية، وهي ترجمة تتفاوت جودتها حسب النصوص المترجمة فتعلو في ترجمة العلوم التطبيقية والتقريرية؛ ولكنها تهبط في ترجمة الإبداعات الأدبية، وهنا لابد من الجهود البشرية لرأب الصدع وتجويد الترجمة.
وتواجه الترجمة والتعريب جملة تحديات منها
1 -عدم الاتفاق على مقابل واحد للمصطلح الأعجمي.
2 -قلة المترجمين المتقنين للغتين المصدر والهدف.
3 -صعوبة مجاراة غزارة الإنتاج العالمي وسرعة نشره.
4 -صياغة النصوص المترجمة بلغة واضحة دقيقة سليمة.
بالترجمة تحصل آداب الأمم الأخرى وعلومها، وهو أمر ضروري اقتضته شدة التواصل العالمي وكثافته بسبب ما تهيأ لها من وسائل المواصلات والاتصالات، وتهتم المملكة العربية السعودية اليوم بالترجمة والتعريب؛ لأنها دولة من أهم دول العالم اليوم بما لها من ثقل ديني واقتصادي وسياسي، فهي قبلة ملايين من المسلمين يحجون إليها كل عام ويعتمرون كل العام، فحرصت الدولة على طباعة معاني القرآن الكريم للحجاج والمعتمرين باللغات العالمية المختلفة، ونشطت الحركة الأدبية في البلاد وترجمت أعمالا مختلفة من أعمالها، وهذا يبرز جانبًا مشرقًا من صورة البلاد التي تكاد تنحصر في أذهان كثير من الناس في أنها صحراء قاحلة تعوم على بحر من النفط ليس إلا، وتسعى المملكة لتوطين التقنية وأن تكون مواكبة لتغيراتها المتلاحقة مع الحفاظ على الْهُوِيَّة القومية وهي العربية، ولذلك تهتم بترجمة ما يحقق ذلك، ولعل هذا التوجه يُعزَّز بتعريب التعليم التطبيقي في جامعاتنا.
(1) محمد عثمان جلال، الروايات المفيدة في علم التراجيده، ص2.
(2) زكي نجيب محمود، «مقدمة المعرب» لكتاب فنون الأدب لتشارلتون، ص8.
(3) عمر الدسوقي، نشأة النثر الحديث وتطوره، ص174.