عبد العزيز الصقعبي
لا أدري إن كان حلماً أو حقيقة، كان يجلس بجانبي ومعه مجموعة من الأوراق، يحكي لي قصة حدثت له مساء أمس، كان يتحدث بتفاصيل دقيقة عن أشياء بكل تأكيد أعرفها، وأعرف أنه لا يعرفها لأنها تخصني، مثل ألم القدم اليسرى التي شعرت به بعد أن كدت أسقط مساء أمس، ولم أخبر بذلك أحدا، وعن أشخاص كنت أنوي أن أتواصل معهم سواء عبر الهاتف أو الرسائل الإلكترونية، قصته أو بالأصح قصتي التي أخبرني بها، غريبة إلى حدٍّ ما، حيث إنه كان يشعر بألم في قدمه اليسرى بسبب تسرعه بصعود درج البيت لأخذ أوراق تخص أحد الأصدقاء، في غرفة بالدور العلوي، أخذ تلك الأوراق من سلة طابعة صغيرة وجلس على مقعد مريح ليقرأها، وجد أنها بيضاء، وضعها على طاولة صغيرة أمامه، وأمسك بقدمه اليسرى ليتأكد من سلامتها من كسر أو تمزق عضل أو أعصاب، كان هنالك ألماً ولكن ليس شديداً، ربما شعر بذلك كثير من الناس، فليس هنالك سقوط أو كبوة، بل التواء بسيط للكاحل، ربما، مما تسبب بالألم، وقف وتأكد أنه يمشي بصورة جيدة على الرغم من أنه وصل للغرفة ماشياً بعد ذلك الحادث البسيط وهو يتألم قليلاً، ولكن لكي يطمئن، بقي الألم خفيفاً ومزعجاً وعاد إلى المقعد وقرر أن يأخذ الأوراق البيضاء ليتأكد مما رآه قبل قليل، ليفاجأ برسومات غريبة على تلك الأوراق أشبه بالرموز، هو متأكد أن تلك الأوراق أرسلها صديقه قبل ساعات وبها مقال طويل كتبه عن مخطوطة قديمة تتناول بعض الظواهر اللغوية، المقال محكم، ودقيق، ولكن هو يذكر أنه بمجرد أن وصله ذلك المقال عبر البريد الإلكتروني قام بطباعته ليقرأه ورقياً حتى يدون ملاحظاته كعادته بالقلم على هوامش الأوراق، عدد الأوراق عشر وفق ما يتضح أسفل كل صفحة، هو يذكر ذلك، العنوان بلون غامق، ويذكر أن الموضوع كتب ببنط صغير ربما اثني عشر أو أربعة عشر، كان بإمكانه أن يعود للحاسب ويقوم بتكبير الخط، ومن ثم طباعته مرة أخرى لتكون قراءته أسهل، ولكن استعجل وقتها وطبعها مباشرة، المشكلة ليست هنا، بل الأوراق تحمل أرقام الصفحات من واحد إلى عشرة، ويوجد بها رسومات غريبة بدلاً من النص الذي يتناول المخطوطة، هدأ قليلاً، وتناول قنينة ماء بجانبه، شرب منها، وأعاد النظر إلى تلك الأوراق التي كانت بيضاء حين رآها أول مرة عند وصوله للغرفة ثم أصبحت مملوءة بتلك الصور الغريبة التي تشبه رموز بعض السحرة، عندما أعاد النظر إليها، تذكر ما قال له صديقه قبل مدة عندما توجه لإحدى المكتباالكبرى ليطلع مباشرة على تلك المخطوطة، وما قرأه في أول صفحة منها والتي أثارت الرعب بالجميع،» ياكبيكج احفظ الورق»، الورق لم يطاله شيء، وكبيكج ذلك الوهم الذي توقع البعض أنه من الجن ويحفظ الورق، لم يحم كثيراً من المخطوطات من التلف، والفقدان، رغم من أن هنالك من يهون الأمر ويقول إن ذلك الاسم الغريب لنبات سام يحفظ الورق من العثة، توضع أوراقها بين الصفحات، كبيكج الذي لا يعرفه إلا القليل لم يعد موجوداً.
عاود النظر للأوراق مرة أخرى، فعلاً هنالك رسومات غريبة وتحديداً رموز تشبه بعض رموز الرياضيات وما يستخدمه البعض في مواقع التواصل الحديثة، هو متأكد أنه قرأ النص عبر الحاسب، فعلاً عبر الحاسب، لم يقرأ كامل النص، بل العنوان والسطر الأول، وقام بطباعته مباشرة، لم يراجع الأوراق ويتأكد منها بعد أن أصبحت في سلة الأوراق المطبوعة بالجهاز، بل تركها، ليأخذها في وقت لاحق ويقرأها، ويبدي ملاحظاته، ويخبر صاحبه بوصول مقاله، ويبلغ آخر برسالة نصية عن وصول المقال ليستعد لوضعه ضمن مواد المجلة المحكّمة، قرّر أن يعود للحاسب مرة أخرى ويعيد طباعة المقال بعد أن يقوم بتكبير الخط وليصبح أكثر من عشر ورقات قد تصل إلى العشرين ولكن لا يهم، من المفترض أن حكايتي انتهت عند طباعة الأوراق مرة أخرى، ولكن ها هو يتحدث عني مباشرة، لأسمعه يقول كان من الأفضل أن تطلب منا أن نحضر الأوراق من مكتبك بالدور العلوي، تبعناك وأنت تصعد للدرج، وتدخل الغرفة، وفوجئنا بسقوطك عند مكتبك بعد أن أخذت بعض الأوراق من الطابعة، كنت تهذي، وتردد كبيكج، لا أدري ماذا تعني هذه الكلمة، تداركناك وها أنت بالمستشفى، وهذه الأوراق.
انتبهت، وجدت أنني أرقد على سرير طبي، قدمي اليسرى محاطة ببياض الجبس، هنالك ألم خفيف، لا أذكر مطلقاً أنني توجهت للمستشفى، ما أذكره وحرصت عليه، أن أرى ذلك المقال منشوراً في المجلة المحكمة، بعد أن أراجعه، وقد أعلق عليه، شكرت ابني الذي أحضر لي الأوراق والقلم ونظارة القراءة وأنا على السرير الأبيض، وبدأت بقراءة المقال.