فيصل خالد الخديدي
مع ما يعيشه العالم اليوم من مواجهة جائحة فيروس كورونا، التي استوجبت البقاء في المنازل والحجر الصحي المنزلي - إن صح التعبير -، نشطت بعض الجهات الثقافية والفنية الحكومية والخاصة في إطلاق العديد من المبادرات الفنية المنزلية، امتدت من بداية البقاء في المنازل وصولاً إلى فعاليات ومناشط العيد. وتنوعت الجهات المبادرة في تقديم المناشط المنزلية التشكيلية، سواء من وزارة الثقافة ومؤسسة مسك الخيرية وجمعيات الثقافة والفنون والأندية الأدبية وجمعية التشكيليين، وغيرها من المؤسسات الخاصة ورجال الأعمال. وحتى التشكيليون أنفسهم قدموا مبادرات تشكيلية منزلية متنوعة. وغالب المبادرات التشكيلية نُفذت عن طريق وسائل التواصل الإلكترونية والبث المباشر وبرامجها المتنوعة والاستفادة منها في تقديم محتوى متنوع بآليات مختلفة بين ورش عمل ودورات ومسابقات ولقاءات وحوارات تشكيلية وزيارات لمراسم الفنانين وحتى معارض إلكترونية، في اجتهاد لابتكار محتوى محدث، يضيف تميزًا وانتشارًا للمشاركة في الفعالية، ويتناسب مع طبيعة الوضع المعاش في أيام هذه الجائحة.
ومع تنوع الفعاليات التشكيلية المنزلية المقدمة في فترة الحجر والعيد، وكثرتها، تباينت مستوياتها بين اجتهادات ظهرت دون المأمول، وأخرى احترافية جاذبة، أظهرت الفنون التشكيلية بوجهها المشرق والمستحق. ومن المبادرات الجميلة التي ظهرت بشكل جيد ومتوافق مع الحدث جاء المعرض الافتراضي (فن العزلة) الذي يتيح للزائر التجول في عدد من الصالات الفنية عبر الواقع الافتراضي، وهو بدعم من وزارة الثقافة. كما جاء المعرض الافتراضي الشخصي (نقطة علاج) الذي قدم فيه الفنان طلال الطخيس رؤيته للجائحة ورمزيته لنقطة العلاج من خلال سماعة الطبيب في أوضاع عدة. كما أن اللقاءات الحوارية والفيديوهات التسجيلية التي قدمها الفنانون من منازلهم، وحتى التي نظمتها المؤسسات الثقافية، تباينت بين لقاءات سطحية وثرثرة، وأخرى تعرض تجارب وحوارات فكرية عميقة، أضافت للمتابع وللمهتم الكثير من المعرفة والمعلومة الجديدة, والورش الفنية. والدورات تباينت أيضًا بين مستويات مدرسية، وأخرى جادة، قدمت التقنية والفكر الجديد الذي يضيف للمتابع ولفنه. ومن الفعاليات التشكيلية المثيرة التي حققت متابعة كبيرة، وردود فعل متعددة، وأحدثت حراكًا مختلفًا في أيام عيد الفطر المبارك، المسابقة التي أعلنها رجل الأعمال عبدالله الرشيد في حسابه بتويتر، وكان مفادها (مسابقة للفن التشكيلي بدون شروط, والهدف نشر الفن بمشاركتكم بالتصويت، والتعريف بفنانين كبار، واكتشاف مواهب جديدة. المطلوب عمل فني من شغلك في الحجر المنزلي. التصويت 3 أيام، وستلغى أي مشاركة بلايكات وهمية. والجوائز 5000 للأول, 3000 للثاني, 2000 للثالث. ومعرض فني لأفضل أعمال باختيار لجنة). وجاءت مشاركات الفنانين بأعمالهم وتفاعلهم في أكثر من 3000 رد على هذه التغريدة. وحقق أعلى تصويت عمل الفنان علي آل زياد، وثاني أعلى تصويت ذهب لإشراق، وثالث أعلى تصويت لنوف سعود. كما حققت المسابقة نجاحًا كبيرًا في التفاعل على كل المستويات. فمن تفاعل سمو وزير الثقافة الذي أثنى على منظم المسابقة في تغريدة من حساب سموه إلى تفاعل العديد من رجال الأعمال والمقتنين الذين اقتنوا الأعمال الفائزة وصالات العرض التي تقدمت بعروض لاستضافة معارض للأعمال المشاركة. وأمام هذه المبادرة الجميلة بكل حالاتها وتفاعلاتها التي يشكر عليها صاحب المبادرة وقفت بعض الأصوات المحبة للفنون التشكيلية وتطويرها موقف الداعم والمطور بإبداء بعض الملاحظاالتي يرون أنها تضيف للمسابقة بعدًا علميًّا وفنيًّا, وأصوات أخرى نشاز، تظهر مع نجاح أي عمل تشكيلي لا يمت لهم بصلة، أو يدر عليهم بفائدة، وتقف موقف العداء والاستنقاص والتصيد؛ فهي أصوات تافهة، لا تمت للفن بصلة. فنجاح هذه المسابقة تمثلت في حسن المبادرة من صاحب المسابقة، وفي وعي اختيار الجمهور الذي صوّت على أعمال ذات قيمة فنية عالية. والساحة التشكيلية أحوج ما تكون لفتح المجال لمثل هذه المبادرات من رجال الأعمال، ودعم الساحة، والتعاون المثمر الذي يصقلها بخبرة أصحاب الاختصاص والأكاديميين؛ لتستمر وتحقق الاستثمار الأمثل للفنون وفق الرؤية السعودية الطموحة.