د.شريف بن محمد الأتربي
تعود بداية التعليم في المملكة العربية السعودية رسميًا إلى عام 1344هـ، وقبل ذلك كانت محدودة ومقتصرة على المساجد وعلى ما يسمى بالكتاتيب، وقد شهد التعليم قبيل بدء التعليم النظامي في المملكة ثلاث مراحل شملت التعليم التقليدي، ومن ثم التعليم الحكومي أو النظامي وخاصة في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، والتعليم الأهلي. وعلى مدار هذه السنوات تعددت أنظمة التعليم المطبقة سواء في المرحلة الابتدائية والمتوسطة أو المرحلة الثانوية. وقد مرت المرحلة الثانوية بالعديد من التجارب التي ربما تكون مواكبة للفترة التي طبقت فيها، وقد مرت مراحل تطوير التعليم الثانوي بأكثر من مرحلة هي:
المرحلة الأولى: نظام الثانوية العامة
تأثر هذا النظام بنظام الثانوية العامة في جمهورية مصر العربية والمتأثر بالنظام الإنجليزي، حيث يبدأ التخصص بعد الصف الأول الثانوي، حيث ينقسم الصف الثاني الثانوي إلى قسمين رئيسين، هما القسم العلمي والقسم الأدبي، ويعطى الطالب المتخرج في هذه المرحلة شهادة الثانوية العامة، ويلتحق الطالب بالمسار الأكاديمي في الجامعة بناءً على التخصص في المرحلة الثانوية.
المرحلة الثانية: النظام المطور
تأثر هذا النظام بالمدرسة الأمريكية، وظهور اتجاه التخصصية المتعددة في المرحلة الثانوية، بالإضافة إلى تحويل مسار التعليم الثانوي من النظام السنوي إلى النظام الفصلي، ومن نظام اليوم الكامل إلى نظام الساعات، تبلورت تجربة الثانوية الشاملة عام 1395هـ التي تميزت بتعدد التخصصات ونظام الساعات وحرية الاختيار للطلاب مما يتيح الفرصة أمام القادرين منهم لإعدادهم لمواصلة الدراسة بمستوياتها المختلفة في المعاهد العليا والكليات الجامعية في مختلف التخصصات وتهيئة سائر الطلاب للعمل في ميادين الحياة بمستوى لائق، وكان بداية صدور النظام الثانوي المطور عام 1405هـ امتدادًا لنظام الثانوية الشاملة ومنبثق منها.
المرحلة الثالثة: العودة لنظام الثانوية العامة وتطبيق التشعيب
في عام 1412هـ تم إيقاف العمل بنظام التعليم المطور والعودة إلى نظام الحصص الدراسية (النظام السنوي)، وتم تشعيب التعليم الثانوي إلى أربع تخصصات (العلوم الشرعية والعربية - العلوم الإدارية والاجتماعية - العلوم الطبيعية - العلوم التقنية).
المرحلة الرابعة: نظام المقررات والنظام الفصلي
حيث بدأ تطبيق نظام المقررات ببعض المدارس على مستوى المملكة بصورة تصاعدية، وهو نظام مكون من ستة مستويات، ويتيح للطالب التخصص في المستوى الثالث سواء في العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية. وفي الوقت ذاته تم تطوير النظام السنوي لنظام فصلي ولكن تم الاستغناء عنه والاكتفاء بنظام المقررات، وكان هذا العام الدراسي 1440 -1441 هو آخر عام يطبق فيه هذا النظام، حيث كان من المفترض تطبيق نظام المقررات بشكل شامل في الثانويات كافة.
وقبل أيام طالعتنا الصحف المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة بتصريح معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ بشأن نظام التعليم الجديد (مسارات الثانوية العامة والأكاديميات المتخصصة)، والذي سيبدأ تطبيقه - بإذن الله - العام بعد المقبل.
وحسب تصريح معالي الوزير فإن هذا النظام ينسجم مع أهداف رؤية المملكة 2030 في تحسين مخرجات التعليم الأساسية، وتوفير معارف نوعية للمتميزين، وضمان المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وزيادة معدلات التوظيف، كما يلبي المشروع احتياجات التنمية الوطنية المستقبلية، ومهارات القرن الحادي والعشرين والثورة الصناعية الرابعة.
وترتكز الأهداف الإستراتيجية لمشروع تطوير المرحلة الثانوية على تعزيز القيم الدينية والهوية الوطنية، ومواكبة الرؤية العالمية الجديدة لدور المرحلتين المتوسطة والثانوية في السلّم التعليمي، واستهداف إلغاء الحاجة إلى السنة التحضيرية في الجامعات، وتوسيع وتنويع فرص التعلّم لجميع فئات الطلاب والطالبات، كما تهدف إلى تحسين كفاءة منظومة التعليم الثانوي والمتوسط، والحصول على شهادات إتقان للغة الإنجليزية، وتوفير مسار للتخصصات الشرعية لأبرز المتميزين، إضافة إلى الفرز المبكر للطلاب والطالبات بحسب توجهاتهم وقدراتهم، وتخريج متعلّم مؤهل للعمل وقادر على مواصلة تعليمه.
وتضع الخطة الأولية لتطبيق مشروع المسارات الثانوية سنة أولى مشتركة، ويتم فيها الإعداد العام وعمليات الفرز والقياس والتوجيه، بينما يختار الطلاب والطالبات في السنتين الثانية والثالثة بين مجالين للدراسة؛ الأول مجال العلوم الطبيعية والتطبيقية (مسار علمي عام - مسار علوم الحاسب والهندسة - مسار علوم الصحة والحياة)، والثاني مجال العلوم الشرعية والإنسانية (مسار إدارة الأعمال - المسار الشرعي- المسار الإنساني العام).
وبالنسبة للمرحلة المتوسطة فإن البرنامج سيعمل على تطوير أكاديميات متخصصة تشكّل نموذجاً من المدارس الحديثة في التعليم العام، وتحتوي على إمكانيات مادية وبشرية عالية، حيث يتم تخصيصها للطلاب والطالبات الذين لديهم قدرات معرفية أو مهارية عالية، متضمنةً أكاديميات علمية (STEM)، وتشتمل على علوم الحاسب، والهندسة، والعلوم الصحية، وأكاديميات إنسانية، وتشتمل على الفنون الإبداعية والتخصصات الرياضية بشراكات خارجية، حيث تستقطب الطلاب ذوي المواهب في هذه الجوانب.
وقد أفاض معالي الوزير في شرح الجهود التي بذلت لخروج هذا النظام للنور بداية من المرحلة تحضيرية، ودراسات مقارنة مع الممارسات الإقليمية والعالمية، وتحليل واقع القبول في الجامعات ومخرجاتها واحتياجات سوق العمل، كما مر المشروع بدراسة تحليلية لما يلزم عنه الاستغناء عن السنة التحضيرية وردم الفجوات التحصيلية.
ولعل من أهم ما أشار إليه معالي الوزير هو إجراء دراسة تتبعيه للتجارب السابقة للمرحلة الثانوية بالمملكة، والدراسات الاستطلاعية لذوي العلاقة، وآراء الخبراء، بالإضافة إلى التحكيم الخارجي. إن هذه الدراسات ستؤدي - بإذن الله - إلى تجنب أي خلل أو انحراف عن الأهداف التي بُني من أجلها النظام، كما أعتقد أنه لو تم تطبيق النظام بالشكل المأمول ومع التجارب المستفادة من التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد ضمن إطار منظومة التعليم الموحدة سيتمكن المجتمع - بإذن الله - من التخلص من آفة من أخطر الآفات التي ضربت المجتمع على مدار عقود طويلة واستنزفت ميزانية كثير من الأسر، وهي الدروس الخصوصية والتي يجب أن تحد جميعًا ونتحداها من أجل مصلة الوطن والطالب في آن واحد.