حمّاد السالمي
* ما زالت الأزمة (الكورونية العالمية) تفرز الكثير من الآهات والعاهات والسلبيات العظيمة، التي عمّت البشرية في القارات كافة. أمراض جسدية ونفسية، وموت أحمر يحصد الأرواح في كل مكان، واقتصادات لدول كبيرة وصغيرة تنهار. هذا كله والعالم ما زال يبحث عن كنه وسر (كورونا المستجد covid-19)، ويجهد في إيجاد علاج مضاد لهذا الوباء. من المؤكد أن العلم سوف يصل إلى العلاج المنتظر قريبًا، ومن المؤكد كذلك أن وباء (كورونا) متعدد الخسائر والأضرار لن يمر دون فوائد لصالح الإنسان وحياته على الأرض.
* هل تتحقق لنا فوائد من وباء (كورونا)..؟
* إلى جانب المواقف والسلوكيات الفردية والاجتماعية التي تعلمناها لمواجهة الأزمة؛ مما يفيد في مواجهة أزمات مماثلة - لا سمح الله -، فإن الحالة الكورونية عرّت ذوي العاهات العقلية والنفسية أمام العالم كله، وكشفت عن عوار لِبشر؛ لا صلة لهم بحاضرهم، ولا حتى بماضيهم، ولا بمستقبل تخطو إليه البشرية بعقلية الفهم والمنطق المتحرر من قيود الخرافات والخزعبلات والعبط، الذي يمارس بوهم العلاج والتخلص من (كورونا) خارج المعامل، وبعيدًا عن القواعد العلمية التي تدور في إطار الصحة العامة. وكما قال سبينوزا: «إذا غاب العقل ظهرت الخرافة، وإذا سادت الخرافة ضاع العقل».
* ابتداءً.. فإن الخرافة فكرة تقوم عادة على مجرد تخيلات وتهيؤات أسطورية، دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة. من أجمل ما قيل في هذا قول جوستاف لوبون: «إن المحاجات العقلانية تفشل عندما تقع في صدام مع المشاعر والعواطف؛ لذلك تستمر الخرافات لقرون، رغم تناقضها مع أبسط حدود المنطق». ولكن أين العلم..؟ يقول آدم سميث: «العلم هو العلاج الوحيد الذي يمكن أن يقضي على الخرافات».
* ارتبطت الخرافات بالفلكلورات الشعبية؛ فهي تكتسب إرثًا تاريخيًّا، دينيًّا ثقافيًّا اجتماعيًّا، وتتناقلها الأجيال، وتظهر على شكل معتقد غير عقلاني، أو ممارسة لا عقلانية، يقوم بها أشخاص يضفون على أنفسهم بعض القداسة، خاصة إذا تلبسوا بلبوس دينية. ونحن لسنا نشازًا في عالم الخرافة هذه؛ فقد تساوى فيها الكل من عرب وعجم. ويكفي الخرافة زورًا أنها تُعرف لغويًّا عند العرب بـ(الحديثُ المُسْتَمْلَحُ من الكذِبِ)..! وقالوا: حديث خرافة. ذكر ابن الكلبي في قولهم حديثُ خُرافة أَنَّ خُرافةَ من بني عُذْرَةَ أَو من جُهَيْنةَ، اخْتَطَفَتْه الجِنُّ، ثم رجع إلى قومه، فكان يُحَدِّثُ بأَحاديثَ مما رأى يَعْجَبُ منها الناسُ، فكذَّبوه. فجرى هذا على أَلْسُنِ الناس. تتعدد الخرافات، ويتعدد الخرافيون في كل زمان ومكان، ويظل العقلاء في معزل ومأمن من هذا الهزل والكذب المستملح وهو مستقبح، لكن إذا وصل الأمر إلى صحة الناس وحياتهم هنا وجب التنويه والتنبيه؛ حتى يظل الكل في مأمن من وباء الخرافة الذي هو أفتك من وباء (كورونا)؛ هذا مع الأخذ في الاعتبار أن الناس ليس كلهم سواء في الموقف من الخرافات التي تنتشر بينهم؛ فهناك من يصدق الخرافيين، ومن يؤمن بفكرة الخرافة. يقول فيسلاف برودزينسكي: «البعض يناضل للتحرُّر من الخرافات، والبعض الآخر يناضل لتحرير الخرافات».
* من الخرافات التي برزت في (زمن كورونا)؛ وتزعم الوقاية من هذا الوباء أو القضاء عليه: زعمهم بوجود شعرة تختبئ إلى جوار آية كريمة في سورة البقرة..! فإن منقوع مائها - على حد زعم الخرافيين - يشفي من كورونا..! هذه خرافة كبيرة، تستحق أن تكون أغرب خرافة لعلاج كورونا. ومن ذلك كذلك قول الخرافيين في علاج كورونا بالشاي مع الثوم، وببخور الحرمل، وبهار الكرومونيوم، والفول المصري. وكذلك تصويب مجفف الشعر إلى الأنف، ودهان الجلد بزيت السمسم؛ حتى لا يدخل فيروس كورونا..!
* ثم ماذا بعد..؟
* قال الخرافيون في كذبهم المستملح عند العرب، المستقبح عند كل ذي عقل: عالجوا كورونا بالعرقسوس، وبقطرات من بول البقر المقدس في الهند، والكركم، ثم بالشلولو (الملوخية). والعلاج بالرقية الشرعية على يد شيخ في أقصى بلدان العرب في صحراء قاحلة. وخذوا بتفسيرات لمنامات، أو الماء المعفّر بتربة القديس مارشربل.
* ألا يكفي هذا..؟
* لا.. إن خزانة الخرافيين تطفح بكل كذب مستملح أو مستقبح، لا فرق. قالوا: عليكم بتربة الحسين - رضي الله عنه -، وعليكم بالكلور، أو زوروا المراقد وأضرحة الصالحين، وتمسحوا بتربتها. وذهب بعضهم إلى ما هو أعجب وأغرب، قالوا: إذا أردت أن تنجو من كورونا وكل مرض عضال فما عليك - حسب زعمهم - سوى قراءة سيرة المدعو (عبد الملك الحوثي)..! أو تشرب وتتمسح من ماء تفل فيه شيخ معتبر، أو عليك بملا معمّم، شوهد وهو يمر على المنومين الكورونيين في مستشفى بطهران، فيعطيهم كمْشَات من تربة مقبرة مقدسة، ويلثمون يده تبركًا..!
* العجب لا نهاية له مما يظهر كل يوم على السطح، من غرائب البشر في عالم الخرافة والدجل واستغفال الناس. قال شاعر عربي قديم، مع تبديل (مني) بين اللقافة والخرافة:
أبت (الخُرافة) أن تفارق أهلها
وأبى (الخُرافي) أن يكون حكيما
* وقال آخر، مع تبديل آخر (مني) بين الحماقة والخرافة، رغم ما بينهما من حسب ونسب:
لكلِّ داءٍ دواءٌ يُسْتَطَبُّ بهِ
إلاّ (الخرافة) أَعيتْ من يُداويها
* ومما يمكن أن يُستملح به في هذه المسألة (الخرافية) في ختام مقالنا قول الشاعر نزار قباني؛ وقد استحضر الخرافة في موقف غزلي لطيف مع محبوبته، فقال ذات لحظة خرافية:
أخبريني من أنتِ؟ إن شعوري
كشعور الذي يطارد أرنب
أنت أحلى (خرافة) في حياتي
والذي يتبع الخرافات يتعب