محمد ناصر الأسمري
الإعلان أحد الأركان الأربعة في علوم الاتصال: اتصال Communication، صحافة Journalism، علاقات عامة public Relation، ثم Advertizing. وهو إعلام عن فكر أو سلعة أو غيرهما بهدف جلب أو إبعاد للجمهور المستهدف من خلال رسائل عادة، تكون مختصرة إلى أبعد حد ممكن، بالذات في إعلان التلفاز. ويستلزم لتأثير وفاعلية الإعلان أن يكون مَن يقوم به ذا مصداقية عالية لدى الجمهور المستهدف، مثل فنان مشهور في أي نوع من أنواع الإعلام، أو لاعب كرة، أو شخصية ذات جذب لفئة معينة من المستهدفين بالرسالة من المعلن.
هناك مباحث ودراسات واسعة في علوم الاتصال عن تطور الإعلان كصناعة، ليس المجال هنا لبحثها، لكن لغة الإعلان تحظى بكثير من العناية في اختيار ألفاظها وقربها من وعي ويُسر فهم المتلقي في المجتمع.
كنتُ أعطي محاضرات تدريب عن بعض الحملات الإعلانية، وكذا المشاركة في تلقي التدريب أيضًا، سواء في وطني، أو أثناء دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية، ووجدت أن معاني كلمات رسالة الإعلان يختلف تأثيرها بل فهمها على المراد من المرسل/ المعلن؛ وهو ما يحول المعني لغير القصد.
أذكر في بداية انتقال الوزارات من الحجاز إلى العاصمة الإدارية الرياض أن أحد العسكر ذهب لبقالة الحي، وطلب (عيشًا) خبزًا فوزن له البائع أرزًا، وبدت الدهشة على العسكري، وقال أنت طلبت عيشًا وأنا أطلب عيش الحَب، فوزن البائع كمية من الفصفص، وقال هذا هو الحَب. وهنا بدت الدهشة على كلا الرجلين، وتدخَّل شخص آخر يعرف معاني التعريفين للعيش والحَب، ونصح العسكري بالذهاب للفرن القريب، واشترى العيش، وعاد للبقال ليريه، فحمد الله كل منهما.
وعلى المنوال نفسه أرسلت عائلة مصرية ابنتهم لشراء حليب، وطلبت البنت من البقال لبن فأعطاها علبة لبن، وعادت البنت للبيت، وفتحت الأم علبة اللبن، وتذوقت، ثم شعرت بشيء من عدم الاستساغة؛ فطلبت من البنت إعادة علبة اللبن لأنها (خصرانة)، أي بها فساد. عادت البُنية للبقال، وقالت «دا مش لبن وهو خصران»، فأعطاها علبة لبن جديدة، وعادت لغة الحوار، وجاءت الأم للبقالة معها علبة حليب، وقالت «عايزين لبن زي ده»، فقال لها «يا بنت الحلال، هذا حليب ما هو لبن».
طبعًا ليس في اللغة حسب معرفتي -والله أعلم- اسم الحليب، بل الوارد اللبن كما في القرآن الكريم {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ} (66) سورة النحل.
وغير هذا من آيات الذكر الحكيم التي ورد فيها اسم اللبن، ولا أعلم أن في بلادنا يسمى اللبن حليبًا. أعرف من خلال قرويتي في الطفولة أني كنت أشارك مع جدتي وبعض بنات العم في حلب الشياة والضأن. بعد العودة من المرعى، وبعد جمع المحلوب، يوضع في (شكوة)، ويمخض حتى يصير لبنًا حامضًا، يفصل عنه الزبد في مدهنة (حيث يوضع الدهان)، ثم يحول إلى سمن صبغ للآكلين.
وفى آخر المطاف ذهب رجل من الجنوب السعودي لسوق الديرة، وطلب من بائع العصي صميلاً فسخر منه البائع النجدي، وقال: «الله يصلحك الصميل في سوق الغنم».
الصميل في لهجة الجنوبي العصا الغليظة، لكنها في بعض مدن وقرى نجد تعني (الشكوة) التي يخض فيها الحليب؛ ليصبح لبنًا وزبدًا ومضيرًا.