د. محمد عبدالله العوين
تتقنع الحركات السياسية بشعارات براقة تجر بها الدهماء وتسحب بها الغوغاء إلى صفوفها فتتراص الصفوف معها حاملة شعاراتها محققة أهداف صانعي الحركة دون أن تدرك هذه الجماهير أو تلك مقدار المكاسب السياسية التي أنجزتها لمن وراء الحركة.
ولعل هذا التوصيف ينطبق لا على أنتيفا فحسب؛ بل على جل الحركات التي تخفي ما لا تعلن، وتستخدم لتحقيق المخفي كل ما يمكن أن يحقق أهداف صانعي الحركة؛ فقد وظف القيم الدينية وترفع شعار التطهر كما هي جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال، أو الجماعات الدينية اليمينية المسيحية المتطرفة في الغرب، أو الحركة الشيوعية اليسارية التي تنادي بالعدالة الاجتماعية والاشتراكية والقضاء على الطبقية، أو الليبرالية الغربية التي نشطت ونضجت بعد أن صحا العالم من آلام الحرب العالمية الثانية؛ فاشتغل مفكرون على الدعوة إلى منح فضاءات أوسع من الحريات الفكرية والدينية، وفي ظلال هذا الاتجاه وبوعي كثيرين من المفكرين وأصحاب الرأي بخطر الأنظمة الدكتاتورية وتفرد الزعيم الأوحد بالقرار السياسي والاقتصادي والحربي كما عبر عنه الفاشي موسوليني بعد وصوله إلى رئاسة وزراء إيطاليا 1922- 1943م حاكما فردا ودعوته إلى سيادة الشعوب القوية على الشعوب الفقيرة ذاعت وشاعت فكرة (التميز) العرقي وقوة الحاكم السوبرمان فتبنى هتلر أيضا فاشية موسليني أو التقى معه في سياقها العام، ولأن العالم ذاق ويلات الفكر الفاشي والنازي ظهرت بعد انقشاع غمة الحرب الثانية موجة شعبية تنادي بمعاداة الفاشية والنازية وكان الفكر الشيوعي الاشتراكي خير معبر عن معاداة الفاشية باسم (أنتيفا) اختصارا، ووجد سياسيون ورأسماليون كبارا في هذه الحركة بغيتهم لإسقاط خصومهم أو توجيه الحياة العامة في أمريكا أو أوروبا الوجهة التي تخدم أهدافهم، ومن هؤلاء اليهودي المجري الأصل الأمريكي الجنسية المليونير (جورج سايروس) وغيره من المتنفذين سياسيا وماليا في الحزب الديموقراطي بأمريكا.
قد لا تخلو الحركة من غايات جميلة كشعارات؛ بيد أن تلك الشعارات تصبح وسيلة لتحقيق ما هو سيئ وقبيح؛ ابتداء بأدوات الدفاع والمطالبة والاحتجاج العنيفة وصولا إلى هدم كل ما هو قائم من أنظمة ومنجزات وتسويته بالأرض.
لقد اجتمع تحت شعارات أنتيفا (مكافحة الفاشية والنازية والعنصرية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والحرية، ومنها حرية الشذوذ) المهمشون والمستضعفون والفقراء والمشردون والمراهقون والشاذون والناقمون على الأنظمة السياسية وقيم المجتمع؛ جمعهم التمرد ونقمة الفقراء على الأغنياء والملونين على البيض واللاجئين على أصحاب الأرض، تماما كحركة القرامطة، وظهر أعضاء الحركة بلثام وحقيبة صغيرة معلقة على الظهر، وأعلنوا أنهم يبيحون لأنفسهم استخدام كل وسائل العنف الجسدي والقتل والسحل لمن يخالف أفكارهم وإحراق الممتلكات وتدير المباني الحكومية ونهب المحلات التجارية ونحو ذلك.
التقطت الكاميرات سيارات مليئة بأدوات التدمير من أخشاب وحجارة، واصطادت أعضاء الحركة يوزعون الأموال على من ينضم لهم ويشاركهم في الحرق والتدمير.
ليس ترامب فقط المقصود بعنف أنتيفا؛ بل كل نظام سياسي لا يتفق مع مبادئ سايروس (قرمط) هذا العصر (رغم ادعائه الخيرية والتبرعات) ومن على شاكلته في الدولة العميقة.