حمّاد السالمي
«رعت ونظّمت المملكة العربية السعودية في العاصمة الرياض قبل عدة أيام؛ المؤتمر السادس للجهات المانحة لليمن. شارك في المؤتمر (الافتراضي) ما يزيد على 126 جهة، منها 66 دولة، و15 منظمة أممية، و3 منظمات حكومية دُولية، وأكثر من 39 منظمة غير حكومية، إضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والاتحاد الدُّولي لجمعيات الصليب الأحمر، والهلال الأحمر. وغاب (ثلاثي الفتنة): إيران وتركيا وقطر كما هي العادة..! لأنها لا تدفع إلا للحوثيين الذين يقتلون الشعب اليمني، ويذيقونه الذل والمهانة.
«بلغت التعهدات المالية التي أُعلن عنها خلال المؤتمر؛ (مليارا وثلاث مئة وخمسين ألف دولار 1.350)، من أصل (2.4 مليار دولار) قدّرتها الأمم المتحدة لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن من يونيو حتى ديسمبر 2020م، وتعهدت المملكة العربية السعودية بتقديم: (500 مليون دولار) لدعم الخطة الإنسانية لهذا العام، و(25 مليون دولار لمكافحة كورونا)، وهذا هو أكبر مبلغ مقدم بين الدول المانحة. لقد عُقد أول مؤتمر في هذا البرنامج الدُّولي لدعم اليمن؛ في 17 نوفمبر 2006م في لندن، وجُمع فيه نحو (4.7 مليارات دولار)، وعُقد المؤتمر الثاني في 4 سبتمبر 2012م في الرياض، وجُمع فيه مبلغ (6.4 مليارات دولار)، فيما عُقد المؤتمر الثالث في 25 أبريل 2017م في جنيف، وانتهى بجمع (1.1 مليار دولار)، كما استضافت جنيف أيضًا المؤتمر الرابع في 3 أبريل 2018م، وشهد تعهدات بتقديم (ملياري دولار)؛ نصفها مقدمة من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، فضلا عن مساعدات ووديعة سعودية بنحو (مليار ومئتي مليون دولار)، إضافة إلى مبالغ كبيرة أخرى أعلن عنها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والهلال الأحمر الإماراتي، وهبات أخرى بعضها جاء بدعم من مجموعة أصدقاء اليمن؛ التي تضم نحو أربعين دولة ومنظمة مانحة، وعُقد المؤتمر الخامس كذلك في جنيف، في 26 فبراير 2019م، وجمعت فيه الأمم المتحدة (2.6 مليار دولار)، منها (500 مليون دولار تعهدت المملكة العربية السعودية بتقديمها، كما تعهدت الإمارات بمبلغ مماثل، وقدمت دولة الكويت مبلغ 250 مليون دولار).
«إن الوضع الاقتصادي التعيس الذي يعيشه هذا القطر العربي؛ هو نتاج حالة تاريخية تلازم اليمن منذ فجر تاريخه. اليمن بلد البن والخيرات التي أضفت عليه في قرون خلت صفة السعادة؛ يعيش على فتات المساعدات من دول مانحة وجمعيات وجهات تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. أقول حالة تاريخية.. لأنه حتى الانقسام الجغرافي والقبلي والسياسي في اليمن؛ ظهر على الإنسان نفسه منذ قرون وقرون، وليس هو فقط نتاج اليوم. كانت اليمن فيما مضى من تاريخها؛ تترنح بين سلطات وحاكميات وافدة، إما فارسية، أو حبشية، أو تركية وبريطانية فيما بعد. ولولا انفصام الشخصية اليمنية وانقسامها على نفسها تاريخيًا؛ لما تسابق إلى استعمارها الأحباش أكثر من مرة، وتمكن من السيطرة عليها الفرس مرات عدة، وهاهم يكررون تاريخهم الاستعماري البغيض مع اليمن؛ بعمالة رخيصة للحوثيين، الذين يدّعون أنهم عرب، وأنهم من أبناء اليمن..!
«هذه هي اليمن.. التي استعصت وتستعصي حالتها على كل حل، ما دام اليمني منقسما على نفسه، ومنفصما عن أصله وأرضه. فمنذ (وضَّاحِه وعَرِمه)، وهناك من أبناء اليمن؛ من يبيع وطنه، -ولا أعمم- ويشتري لأهله فيه؛ غرباء من الفرس وغيرهم، ليستعمروهم ويذلوهم. متى ينتهي هذا الانفصام وهذا الانقسام؛ ويتوقف هذا الخصام؛ فتتخلص صنعاء من سلّ الإخوان المفسدين، ومن جَرَب الحوثيين العملاء..؟ كم بصنعاء من عشق ومن طرب، ظل وحده الدال على أصالتها وعروبتها. رحم الله شاعر اليمن الكبير: (عبدالله البردوني)، الذي لخص الحالة التاريخية لليمن في قوله:
ماذا أحدّث عن صنعاء يا أبتي..؟
مليحة عاشقاها: السّل والجربُ..!
ماتت بصندوق (وضاحٍ) بلا ثمن
ولم يمت في حشاها العشق والطرب