في ظل هذه الجائحة العالمية التي ألقت بظلالها السيئة على العمل، خاصة على الطبقة التي تعمل لتكسب قوت يومها، رأينا العديد من المبادرات التي شكر الله لأصحابها مساعيهم في تأمين الغذاء والدواء لهم؛ لنعلم أهمية العمل وإن كان في نظر الجميع عاديًّا. فعلى سبيل المثال: صالونات الحلاقة الرجالية، تلك المهنة التي لم نتصور أهمية عمل أصحابها رغم بساطته؛ إذ لا يتطلب إلا مقصًا ومشط تصفيف كأدوات أساسية.. فالجميع رأى حجم المعاناة التي مرّ بها الرجال خلال إغلاق الصالونات، وغيرها من الأنشطة التي كانت لا تذكر. فالمعلم الصارم (كورونا) أعطانا دروسًا عن أهميتها.
وعلى الجانب الآخر تأملت في مفهوم العمل، وفعل أي شيء حتى وإن كان يسيرًا، ولا نعلم أنه سيكون له بالغ الأثر في حياتنا.. حتى معجزات الأنبياء ارتبطت بالفعل (اركض برجلك، هزي إليك بجذع النخلة، القِ عصاك، اصنع الفلك...) وهذه رسالة ربانية بأن المعجزة ستأتي عندما تتحرك وتفعل شيئًا. ومن هذا المنطلق ندعو فئة الباحثين عن عمل، الذين لديهم شروطٌ بأن العمل يجب أن يكون مكتبًا فاخرًا، ومعاشًا مرتفعًا، وتمضي أيامهم وتهدر طاقاتهم في الانتظار، بينما لو أنهم فهموا معنى السعي لكانت الفرص أمامهم متعددة، ولا تريد منهم إلا التحرك، وفعل أي شيء في طريق الكسب، وسيروا توفيق الله لهم.
أعلم أن مجتمعنا لا يزال يزدري بعض الأعمال، ولكن يجب علينا توجيه تركيزنا على طريقة استغلال الفرص؛ لكي تتوافق مع نظرة المجتمع؟
أسهل حل: ابدأ أنت، وستجد الكثير يحذو حذوك.
في الماضي القريب تم توطين العديد من الأعمال التي في السابق كانت حكرًا على العمالة الوافدة, ونرى الآن التنافس بين أبناء الوطن على تلك الأعمال،
كالصيانة الكهربائية، وصيانة الهواتف، والمبيعات، وتوصيل الطلبات، وأعمال النجارة، وسائقي الأجرة، وتنظيم الحفلات، والطبخ.. وغيرها. والجميع شهد الإقبال الكبير، والأرباح.
ومن باب الشيء بالشيء يذكر، يُروى أن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى بعض الناس في المسجد بعد صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: متوكلون. قال: بل أنتم متواكلون.
لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، إنما يرزقُ الله الناس بعضهم من بعض.
لذلك أسدي لي ولكم النصيحة: يجب أن لا نحقر من شأن أي عمل؛ فعندما تنتهي كورونا يكون قد فهمنا الدرس الذي جاء على شكل فيروس؛ ليقول إن عملك الذي كنت تتذمر منه كان نعمة.. إن عملك الذي تتقاضى عليه أجرًا يسيرًا كان نعمة.. إن العمل الذي كنت تراه محتقرًا بالمجتمع كان نعمة.. فلا تركن بنفسك، بل اصنع لك أثرًا.