خالد بن عبدالكريم الجاسر
في الوقت الذي يُقلب فيه مرض كوفيد-19 الحياة وسبل العيش في جميع أنحاء العالم، وزيادة نطاق السياسات العامة الضالة في طُرقات الحُلول المُتعددة والمختلفة لتخفيف آثار الجائحة، بمحاولات يائسة لإدراك الحجم الحقيقي للأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تنتظرنا، والعودة إلى مسار الوفاء بأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.
في ظل ظروف انعكست على صورتها على ما يقرب من نصف القوى العاملة العالمية ودخولها في خطر مُباشر من الوقوع في البطالة، ليتكرر مشهد زيادة الفقر العالمي للمرة الأولى منذ عام 1998، والعنف ضد النساء والفتيات ووفيات الأوبئة العالمية في ظل انزلاق بعض المناطق إلى مستويات لم نشاهدها منذ 30 عاماً.
فهل يمكن تحقيقها في موعدها حسب «جدول أعمال 2030»، الذي وضعه زعماء العالم بالإجماع عام 2015؟.
أنها هذه انتكاسات غير مفهومة لمكاسب البشر الإنمائية التي حققها بشق الأنفس، تتزعزع البنية الصلبة التي أنشأها، فكيف نُحافظ عليها في «جوائح الظل»، التي راح ضحاياها مئات الملايين في جميع أنحاء العالم؟
إن النجاح لتحقيق أهداف التنمية المُستدامة يحتاج لاعتماد قواعد وأساليب جديدة. قد تؤثر على المواعيد والاجتماعات الدولية في ظل تأثير الجائحة على توقيت تنفيذها، لذلك هي تحتاج لآلية عمل جديدة. اتبعتها السعودية كونها رئيسة لـ G20، وتخطيها حاجز الزمن باجتماعات تُوحد العالم المتشعب فكرياً والمُتشتت عملياً، عبر مؤتمرات أخرها مؤتمر المانحين لليمن 2020، وخروجه بـ1.35 مليار دولار تبرعت منها المملكة بأكثر من 500 مليون دولار مقابل 137 مليون دولار من جانب ألمانيا و197 مليون دولار من بريطانيا و78 مليون دولار من المفوضية الأوروبية، وتعهدت أمريكا بالتبرع بـ 225 مليون دولار.
ليكون نجاح المؤتمر هو أكبر رد على من يُشككون في التقدُّم لتحقيق الأهداف، وقولهم بأن القمة تحوَّلت إلى نوع من الفولكلور، لتهتز أركان دول الإرهاب الحاقدة على قوة المملكة ومكانتها الريادية في ظل انحسار عمل الهيئات الحكومية والمنظمات الدولية، ناهيك على دور السعودية التنموي في القضاء على الفقر والجوع كهدفين أوليين، قد تراجعا عالمياً، لتكون هي راعيةً للهدف الثالث فكانت لاعباً دولياً فاعلاً للضحية الأولى «الصحة» في جائحة «كوفيد - 19» إقليمياً وعالمياً، لضمان تمتُّع جميع البشر بصحة جيدة، وهو ما شهد له القاصي والداني حتى أن كليفرلي، وزير بريطانيا لشئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التقط بعض الكلمات العربية مثل «إنشاء لله» مُثمّناً الجهود التي تبذلها السعودية بصفتها رئيسة مجموعة العشرين وقائدة العالم الإسلامي، ودورها التنسيقي بين المجتمع الدولي، ودعمها المالي والمعنوي للمبادرات الدولية الساعية للسيطرة على تفشي كورونا.
ورغم ما أصاب العالم في مقتل فقد ضربت المملكة أروع المثل في الهدف التنموي الرابع، الذي يدعو إلى تأمين التعليم الجيّد والشامل للجميع عن بُعد عبر الشبكة الافتراضية. وتوفير مصادر الهدف السابع للطاقة النظيفة والمأمونة للجميع، وإعادة التوازن للسوق رغم تحذير وكالة الطاقة العالمية، من أكبر انخفاض قد يُعيق التحوُّل إلى مصادر الطاقة النظيفة. ثم العمل على تأمين الهدف الثامن للعمل اللائق للجميع وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام. لتتقدم المملكة في تحديها للأهداف (17.12.11.9) بالصناعة والابتكار والاستهلاك وعقد الشراكات كأحد أهم آليات تنفيذ «رؤية السعودية 2030»، التي تسعى إليه كل دول العالم لدعم العلوم والتكنولوجيا من أجل الإسراع في تحقيق خططها التنموية الكبرى.. بل لتضرب المملكة راسمة للعالم بالهدفين (16.10)، أروع المثل في الحد من أوجه عدم اللامساواة والسلام والعدل، وهو ما نراه لمحاولاتها المستميتة في دول عدة كفلسطين واليمن وليبيا والعراق وكل ما يُعاني منه الأقليات والحروب العنصرية وغيرها بالعالم.. أما الأهداف (13.14.15) وتعلقها بالحياة الطبيعية والمناخ فدورها لا يقل عن مثيلاتها من الأهداف خاصة للدول النامية التي تحتاج إلى مساعدات لتنفيذ التحوُّل المطلوب كتحدّي أكبر.
إن السعودية استطاعت دفع المجموعة للعب دور أكبر في الأزمات عبر اجتماعات افتراضية على مستوى القادة والوزراء، قد استدعي الحاجة المُلحة لمقاربة جديدة من جميع اللاعبين، وهو ما دعم التنمية المُستدامة، لأن استقطاب الأموال والاستثمارات سيصبح أكثر صعوبة، وهو دور نادراً ما تلعبه المجموعة، وعلى الدول النامية ترتيب بيتها الدولي وتحديد أولوياتها من جديد واستثمار مواردها البشرية والطبيعية بكفاءة عالية، لتثبت أنها جديرة بالإنسانية التي تمتعت بها المملكة العربية السعودية.