سمر المقرن
توقعنا أن عام 2020 ستبلغ فيه البشرية تقدّماً علمياً ملحوظاً، فتقوَّضت أحلامنا ليصبح عام الكمامة أسوة بالأعوام الخوالي التي سجلها التاريخ واقترنت فيها الأعوام بالأحداث، كعام الطاعون أو عام الرمادة لتصبح نظراتنا من خلف الكمامة -التي نُحبها بنفاق رغماً عنَّا لاحتياجنا لها وما النفاق إلا حب معكوس نعطيه لمن لا نحب- كالثلج الذي يذوب في الماء المغلي، فما هو تاريخ تلك التي لم نكن نشاهدها إلا على وجوه الأطباء أو وهي موضوعة منبوذة متوارية في ركن قصي من الصيدليات لا نُلقي لها بالاً، التفكير في الكمامة دعاني إلى البحث عن تاريخها، فوجدت بأن أول من استعملها الجراح الفرنسي (بول بيرغر) خلال عملية جراحية أجراها عام 1897م، وقد صمّم أولَ قناع طبيٍّ العالِمان الألمانيان (ميكلوشز) و(فلوغ) عام 1897م، وتكون أول قناع طبي من طبقتين من الشاش، ثم تطور عبر الزمن مروراً بعام1960م، حتى يتم تصنيعها بالشكل الحالي على يد العالمين الألمانيين (روكوود) و(أودونغيل) وكانت تستعمل لمرة واحدة مثلما يحدث الآن. وقد تم فرض ارتداء الكمامة لأول مرة عام 1918م، عندما انتشرت الإنفلونزا الإسبانية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، والتي تجاوز قتلاها 50 مليون شخص على مستوى العالم رغم مقاومة بعض الشعوب لها ظناً منهم أنها تقيّد حرياتهم الشخصية، فأسسوا رابطة ضد الكمامة مدعمين آراءهم بإصابة حوالي 78 % من الممرضات بالعدوى رغم ارتدائها في المستشفيات في ذلك الحين.
كما أن هناك شعوباً عديدة ارتدتها قبل ظهور كورونا بسنوات طويلة كوقاية من التلوث والأبخرة الصناعية والأتربة، مثل طوكيو وبانكوك وكوالالمبور والنيبال وبكين، وقد ارتداها المرممون الأثريون أيضاً أثناء فحص الموميات الفرعونية. وارتدتها الشعوب أثناء إلقاء قنابل الغازات السامة والمسيلة للدموع إبان الحرب العالمية الأولى في الفترة من 1914- 1918م للوقاية من الغازات السامة، وكانت مصنَّعة من القطن المجدول. وفي العصر الأندلسي كان ارتداؤها إلزامياً لمن يمارس حرفة الطحن والخبز حفظاً للصحة العامة. وقد صمّمت حالياً باللونين الأزرق والأبيض، فالمريض يرتديها بحيث يكون اللون الأبيض ملامساً للوجه والأزرق للخارج، أما السليم فالعكس، حيث يكون اللون الأزرق ملامساً لوجهه والأبيض للخارج، فهي مصمَّمة بحيث تكون فلترة الجراثيم تبدأ من اللون الأبيض في اتجاه الأزرق. كما قام مصمم ألعاب الفيديو والمبرمج الإيطالي (تايلور غلايل) من صنع كمامة قماشية تحتوي على مجموعة أضواء «ال إي دي» تعمل وتضيء بـ 16 لوناً مختلفاً عندما يتحدث الشخص لتحاكي حركة الفم عند الفتح والإغلاق وصنع شكل الابتسامة كنوع من كسر حدة الملل والإحباط عند التواصل مع الآخرين.
وأخيراً.. شكراً يا كمامة، وأغنانا الله عنكِ إلى الأبد!