خالد بن عبدالكريم الجاسر
شعار فجر العُنصرية بأمريكا من جديد، منادياً «بالعدالة لجورج فلويد»، ولاهثاً «توقفوا عن قتلنا» فـ «حياة السود مهمة»و»لسنا عربا تقتلوننا ونصمت»؛ لتهتز الولايات في «مسيرة ضد وحشية الشرطة»، التي تشابهت ومثيلاتها باحتجاجات العالم القريب، فدائماً ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية مسرحاً للفتن وحوادث القتل التي علاها الأبيض ضد الأسود وكأنهم ليسوا من بني جلدتهم، بل ليسوا من بني البشر، وكل مرة يحدث ما هو أسوأ من سابقه، وكأنما أيقظ جورج فلويد، الرجل «الأسود» الذي جاهد لالتقاط أنفاسه الأخيرة تحت ركبة شرطي «أبيض»، أيقظ نيران العُنصرية التي طالت البيت الأبيض باحتجاجات جعلت أميركا «شيئا لا يسوى»، عنوانها «العدالة وإلا لن يكون هناك استقرار»، بلى، فالعنصرية ستزداد آخرها عائلة تُطلق كلابها على أعزل أسود يسير بالشارع ويتناوبون عليه ضرباً بل وقضم الكلب عنقه... لتُعلن العُنصرية أن لا عدالة لا سلام.
لقد أماطت الأيام اللثام عن أقنعة العنصرية الأمريكية، وأولها ديكتاتورية وأساليب تحجيم الحريات التي صارت قضية رأي عام، تُفرز ومن حولها صخبا ومواجهات عنيفة توسعت دوائرها في ولايات عدة، خشي منها فأعلن جهاز الخدمة السرية بالبيت الأبيض إغلاق الأبواب على نفسه، وصار مُرتعداً لأن الحق صوته أعلى، لينتهك المُحتجون في «منيابوليس» ومَنْ تضامن معها حظر التجوال، وليتجمَّعوا حول مراكز الشرطة، وقد أضرموا بها النيران، وكأن التاريخ يُصافح ثورات الربيع العربي، مُرددين «لا عدالة لا سلام».
إنها ثورة قادمة؟ مهما أعرب ترامب عن تعازيه لعائلة فلويد، وتعاطفه الكامل مع العائلة، فلن يوقف الزحف الأسود، ورُغم مقولاته المُغلفة بالدم «لقد كان شيئاً بشعاً للغاية»، مُعلقاً على الاحتجاجات: «هذه مجموعات مُنظمة لا علاقة لها بمقتل فلويد.. لدينا متظاهرون سلميون وندعم حقوقهم، لا يمكننا السماح لموقف مثل ما حدث في مينابوليس بالهبوط بنا إلى أبعد من هذا». واصفاً إياه «حالة انعدام القانون والفوضى».
حوادث تكررت برحاها ضد السود، طارحة أسئلة عن مكامن السلوك العنصري في الولايات المتحدة، إذ سبقت حادثة فلويد، مقتل أنطون روز في بيتسبرغ - بنسلفانيا (17 عاماً)، وتيرينس كراتشر في تولسا - أوكلاهوما (40 عاماً) ومايكل براون في ميسوري (18 عاماً)، وإيريك غارنر في نيويورك (43 عاماً)، والذي توفي بالطريقة ذاتها مثل فلويد، اختناقاً، وكان وراء انطلاق حركة «حياة السُود مُهمة».
ثورة ضد عودة العُنصريّة، حطمت فيها زوجة الشرطي المُتهم كيلي شوفين، تبرئتها من الأرعن الأبيض زوجها طالبة الطلاق منه! بعدما ذُهلت من فعلته، لتعيش وفق محاميها «مدمَّرة، بسبب هذه الحادثة المأساوية وإنها طلبت الطلاق وخائفة وتطالب بمنح والديها وعائلتها الأمان والخصوصية خلال هذه الفترة التي وصفتها بالعصيبة».
ثورة هي للحق صوت، ضجيجه للعلن صُفارات إنذار، لأن ذلك يحدث يومياً، فكل يوم طبق فيه ضباط الشرطة هؤلاء قواعد نظامهم العُنصري بطريقتهم، قاد إلى هذا الوضع، فهذه ليست لحظة قائمة بذاتها، بل، إنها كارثة تُمثل تراكماً لكل ما حدث من قبل.