في معجم المعاني الحداثة هي: مصطلح أطلق على عدد من الحركات الفكرية الداعية للتجديد، والثائرة على القديم في الآداب الغربية.
هذا الطرح لمعنى الحداثة يشوبه مثالب واضحة عدة، هي:
أولاً- لا بد أن يكون للمصطلح تعريف محدد الأبعاد؛ كي يكون مصطلحاً، وهذا ما يميزه عن «المفهوم»، الذي لا يشترط أبعادًا محددة. فعندما نقول «وزن» كمفهوم يتبادر إلى الذهن جميع الأوزان من أخفها إلى أثقلها؛ وبالتالي كلمة «وزن» هي مفهوم وليس مصطلحاً. أما عندما نقول «كيلوغرام أو رطل» مثلاً فهو مصطلح؛ لأنه محدد ومتفق عليه؛ وبالتالي لا يجوز استخدام كلمة مصطلح لتوصيف الحداثة كما يطرحها قاموس المعاني!
ثانياً- أطلق على عدد من الحركات الفكرية الداعية للتجديد... إلخ. وهنا لن أسأل القاموس مَن الذي «أطلق المصطلح»!؟ إنما أتساءل: هل الحداثة تخص «عددًا» من الحركات فقط، أم هي «هم اجتماعي عام»؟ وهل الحداثة تخص «الآداب» الغربية؛ وبالتالي فهي ملك «خاص» لتلك الآداب؛ لا يحق لغير الغرب تحديد معناه أو التحدث به أو تبنيه؟ أم هي هم للبشرية جمعاء؟
إذا انطلقنا من أن الحداثة هي: - كل عمل أو قول، أو كلاهما، يؤدي إلى التقدم الاجتماعي، تصبح عملية التنمية المادية وزيادة الدخل القومي هي حداثة! والتنمية البشرية في العلوم و»الفن» و»الأدب» وكل المجالات الأخرى هي حداثة أيضاً! وهي ليست مقتصرة على غرب أو شرق أو شمال أو جنوب، إنما تخص التطور البشري بمجمله. وهي كذلك «ضرورة» وليست خياراً؛ خاصة في المرحلة التي تمرّ بها البشرية حالياً!
ما يجري اليوم من احتجاجات عارمة في الدول ذات الأنظمة الرأسمالية ليس صراعاً بين «اشتراكية» و»رأسمالية» كما يحلو «للآداب الغربية» توصيفه، إنما هو صراع بين «الحداثة» التي تنشد التقدم الرأسمالي ذاته، و»التراثوية» التي تتمسك بالأسمال البالية القديمة، كالعنصرية والفتن الطائفية والمذهبية والحروب التخريبية؛ من أجل الحفاظ على امتيازات الطغمة المالية، أو ما يسمى بـ «الأولغارشية» العابرة للقارات.
«الحداثة والتراثوية» ليستا نزوات شخصية، بل تعبّران عن صراع «عالمي» بين التطور وعدمه. لذلك ابتدع «الأدب» الغربي مفهومًا تضليليًّا، لا يمت للواقع بصلة، هو «ما بعد الحداثة»! والمقصود منه التعمية على عقول البشر أن الحداثة قد انتهت ونحن نعيش زمن «ما بعدها»! وقد دعّم «الأدب» الغربي هذا المفهوم بمقولة «نهاية التاريخ»! ولكن «فتيل الحداثة» قد اشتعل طرفه، وليس بمقدور كائن مَن كان إيقاف جذوته!
** **
- د. عادل العلي