عبدالرحمن الحبيب
منذ أشهر تحولت أغلب المطارات إلى مدن أشباح أو ساحات للحياة البرية، وأصبحنا نرى صوراً لطيور تعشعش في عجلات الطائرات وقطط تلد في زوايا مدرجاتها، بعد أن كان هناك إفراط في السفر في عصرنا المتعولم. ومنذ أسابيع وشركات الخطوط الجوية تعيد جدولة رحلاتها استعداداً للإجازة الصيفية، لكن «فيروس كورونا لا يأخذ إجازة صيفية» كما يقول خبير الأمراض المعدية وليم شافنر، ويبدو أن غالبية الناس ستحجم عن السفر حتى لو خففت كثير من الدول قيود السفر مع انطلاق موسم السياحة..
هل فعلاً سيكون هناك موسم سياحة لهذا العام، وما هو مستقبل السياحة والرحلات الجوية عموماً سواء للترفيه أو للعمل؟ تكاد تجمع آراء الخبراء، التي سيتم عرض بعضها، بأنه ستحصل تغيرات عميقة ما لم يتم اكتشاف علاج أو لقاح لكورونا، وحتى بعد ذلك ستوضع اشتراطات صحية خاصة وستستمر لأجل غير معلوم، فليس واضحاً مدى العودة التدريجية للسفر لكن المؤكد أن ثمة نتائج بدأت تظهر مثل إلغاء خطط السفر وجمع شمل العائلة؛ وهناك ظواهر من المحتم بروزها مثل التوجه للسياحة الداخلية وربما ازدهارها في بعض البلدان.. سيختار الكثيرون عدم السفر، وخاصة كبار السن.. فضلاً عن انخفاض الدخل بسبب الأزمة الاقتصادية نتيجة تداعيات كورونا.. أما عشاق التنقل بين البلدان أو بين مناطقها الداخلية فقد يكتفون بموقع واحد فالسفر السياحي بين الدول عليه قيود شديدة..
فرضت الدول قيوداً صارمة كالحجر الصحي، وحظر الدخول، أو قيوداً أخرى على المواطنين أو المسافرين الجدد إلى المناطق الأكثر تضرراً. كل ذلك له تأثير اقتصادي واجتماعي سلبياً على قطاع السفر.. ففي العديد من مدن العالم، انخفضت الرحلات الجوية لقريب من التوقف، وتم إغلاق العديد من مناطق الجذب السياحي في جميع أنحاء العالم، كدور السينما والمسارح والمتاحف والمتنزهات والأماكن الرياضية.
هذه الإجراءات صاحبها انهيار الاقتصاد السياحي مما أدى إلى إفلاس كثير من الفنادق والمطاعم ومشغلي الحافلات ووكالات تأجير السيارات، وفقد ما يقدر بنحو 100 مليون شخص وظائفهم حول العالم حسب مجلة فورين بولسي التي استطلعت آراء العديد من الخبراء عن مستقبل السياحة، فماذا يقولون؟
سيتغير هيكل السفر العالمي في المستقبل وفقًا للخطوط الوبائية، إذ ستكون الوجهات أكثر للمناطق الآمنة وبائيًا، كما يذكر البروفيسور جيمس كرابتري (جامعة سنغافورة). سيصبح السفر طبيعيًا داخل الأقاليم الآمنة، مثل بين كوريا الجنوبية والصين، أو بين ألمانيا واليونان. ولكن في البلدان التي تكافح للسيطرة على الوباء، مثل الهند أو إندونيسيا، سيكون أي انتعاش بطيئاً بشكل مؤلم.
لكن خبير آخر يرى أن السفر للعمل أو الترفيه سيتحول إلى الإنترنت: «ستنتقل اجتماعات العمل والإجازات العائلية والأنشطة الترفيهية بشكل متزايد إلى عوالم افتراضية». حسب فيفيك وادوا الذي سيصدر له كتاب حول الرؤية المستقبلية للشركات الكبيرة، موضحاً تجربته: «على مدار الشهر الماضي، قضيت وقتًا مع عدد من الرؤساء التنفيذيين أكثر مما كنت سأقابله خلال عام. لقد كانوا مرتاحين ومشاركين ويقظين.. كل هذا تم من خلال راحة بمنازلنا، وستنتقل اجتماعات أعمالنا وعطلاتنا العائلية وأنشطتنا الترفيهية بشكل متزايد إلى عوالم افتراضية». أما إليزابيث بيكر (مؤلفة كتاب عن السفر والسياحة)، فترى التغير بشكل آخر: «سوف يثق المسافرون الأذكياء في الأماكن ذات الحوكمة الجيدة والأنظمة الصحية. سيأخذون رحلات أقل ويبقون لفترة أطول». ويبدو أنها متعشمة: «سوف يرون هذا الوباء كتوقع لما سيأتي من أزمة المناخ. سيتصرفون مثل المواطنين المسؤولين وكذلك المسافرين المتحمسين».
إذا كانت إليزابيث متعشمة فإن ألكسندر دي جونياك، المدير العام لاتحاد النقل الجوي الدولي، متفائل حيث يرى أنه «من السابق لأوانه التنبؤ طويل المدى، ولكن عندما يعود أول المسافرين إلى السماء، سيجدون تدابير أصبحت شائعة تتكيف مع الطيران: تقليل الاتصال الشخصي، التعقيم المحسّن، والتحقق من درجة الحرارة، والتباعد الاجتماعي.. ستكون حرية السفر حيوية للانتعاش بعد الوباء»..
الأكثر تفاؤلاً هو بيكو إيير (صاحب مؤلفات عديدة عن السفر) مؤكداً أن فضول الإنسان سيدفعه دائماً للسفر.. «العولمة، التي انتشرت من شخص لآخر لفترة طويلة، لا يمكن عكسها. لا يمكن محو الفضول الثقافي. أظهرت لي رحلاتي إلى كوريا الشمالية ما يحدث عندما لا يتمكن الناس من رؤية العالم مباشرة.. للأفضل والأسوأ، سوف نسافر في يونيو 2021 كما فعلنا في يونيو 2019».
نختم آراء الخبراء بأكثرهم كتابة عن فلسفة السفر وفن السفر وهو رولف بوتس الذي يرى أن المفارقة المدهشة هي أن عبارة «النقاط الساخنة» تطلق على الوجهات الشائعة للسفر، وكذلك على المناطق المتفشي فيها كورونا، مما «يذكرنا هذا التوازي غير المريح أن السفر، في عصرنا المعولم، مكّن انتشار الفيروس بطريقة غير مسبوقة تاريخيًا، وأشك في أن الرغبة بالذهاب إلى ما يسمى بالنقاط الساخنة أو الوجهات العشرة الأولى ستقود الموجة التالية من السفر». كما أنه يشك في أن العطلات كمرادف للسفر وما يصاحبه من اكتظاظ سياحي سيكون مرغوباُ، بالمقابل سيشهد السفر الداخلي طفرة.. لكن سيعود السفر الدولي ليس فقط برغبة المغامرين بل أيضاً للعمال المهاجرين الذين يتوقون للقاء عوائلهم في أوطانهم..