سمر المقرن
تغوّل أحد الطرفين على الآخر يتسبب في خلل مجتمعي وفوضى بالحقوق والواجبات. للفرد حريات خاصة كلما أتسع نطاقها ازدادت نقاط مشاركة الآخرين فيها فتتقلَّص لصالح استقرار المجتمع وسلامة سلوكه ومهامه، وتتقلّص معها مساحة التذمّر من مشاركة الآخرين معه في تلك النقاط. الفرد الواعي يُدرك الفرق الشاسع بين النقاط التي يستحوذ عليها بشكل كامل والنقاط التي يتشاركها مع الآخرين باختلاف نسب المشاركة.
فالجلوس في مقهى عام هو إذن للآخرين بمشاهدتك، دون مضايقتك، وعلى تلك المشاهدة تترتب واجبات على الفرد منها الالتزام بالذوق العام شكلاً وسلوكاً. الفرد الواعي يتفهَّم ويستشعر أهمية نقاط المشاركة بينه وبين الآخرين فيستوعب التصادم ويحوله لتكيّف يخدم ذلك المجتمع وبالتالي يخدم الفرد المنتمي لهذا المجتمع.
وكذلك المجتمع عليه واجبات تجاه الفرد، فكلما اقترب المجتمع أكثر من الفرد ازداد احترامه لخصوصيات ذلك الفرد لصالح استقرار الفرد النفسي والاجتماعي، وبالتالي الثقافي والإبداعي.
فليس من المقبول أبداً، أن يتدخل الآخرون فيما تقرأ أو فيما تتبنى من آراء لمجرد أنك خالفت آراءهم أو كان لك موقف مختلف عن مواقفهم، طالما كانوا جميعًا في إطار المصلحة العامة وتحت مظلة القيم العليا للمجتمع والوطن. فمحاصرة الفرد اجتماعيًا تقتل فيه الطموح وبالتالي الإبداع هذا يساهم في تدهور المجتمع ثقافياً وإبداعياً وبالتالي تنموياً!
ولو عدنا لأسباب الصدام بين الفرد والمجتمع، لرأينا أن الخلل يكمن في عدم رسم حدود لكل طرف من الطرفين وترك الأمور للزمن يحلّها من خلال الأحداث اليومية والحقيقة، بينما في الواقع نجد أن الزمن يفاقم من ألم هذه المشكلة ما لم تُرسم الحدود من خلال مراكز بحوث ومناهج دراسية وورش عمل ومؤتمرات تسلّط الضوء على هذه المشكلة وتضع الحلول وتباشر في التطبيق!
العالم يتجه يوماً بعد آخر لاحترام خصوصية الفرد وسلامة المجتمعات على حد سواء وهو أحد أهم أسس التنمية الاجتماعية التي تدعم التنمية الاقتصادية.
والخلاصة هنا، هي أنه لا يجوز للفرد إلزام المجتمع بحرياته الخاصة، ولا يجوز للمجتمع محاصرة الفرد بواجبات مختلفة ومتنوِّعة باختلاف وتنوّع أفراد المجتمع فلا يجعله يستمتع بحياته ولا يسمح له بالمساهمة بإنجازاته لصالح هذا المجتمع.
في النهاية هناك تناغم جميل وسيمفونية رائعة بين الفرد والمجتمع، نريد فقط أن نحسن عزفها لنخرج بأجمل لحن.