سام الغُباري
صعب جدًا أن تظن عقول الناس مثل الكأس تملأها وتفرغها كما تريد، وفي الوقت الذي تحب، وبما يروق لك، وإنها بلا ذاكرة وإن كانت قصيرة.
الأخطاء القاتلة لجناح الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أنهم كانوا يرفدون الحوثيين بدعاية هائلة، ويوجهون أنصارهم لمواجهة التحالف العربي، وينعتونه بـ «العدوان»، ويصفون «العنصرية الحوثية» بأنها جزء من اليمن سيتفقون معها مهما حدث في مواجهة ما أسموه «الغزو الخارجي».
كانت الآلام التي سببها ذلك الجناح السياسي الشعبي الواسع مع دهمائهم أكبر بكثير مما اقترفته أحزاب اللقاء المشترك في فتنة عام 2011م، وكلها أخطاء قادت الجميع إلى الهجرة عن صنعاء أو القتل داخلها.
وفي معركة الست ساعات بقيادة «ياسر العواضي» اعتمادًا على قبيلته التي ظل خلال ست سنوات يحشو رؤوس أهلها بما يخدم العنصرية الحوثية وأن كل مقاومة ليست إلا «خيانة وارتزاق»، ثم فجأة هكذا يبدل رأيه ويريد للناس أن تمضي معه حيث يذهب، تلك حاجة لم يستطع علي عبدالله صالح تغييرها بقوته وكاريزميته الطاغية، فقتل دونها، وفر رفيقه العواضي بعدها بعامين إلى أرض «الخونة» الطيبين!
معارك الأمم المصيرية، لن تفلح بقادة ملوثين بالفساد أو ممن تستهويهم النقائض، واليمن إِذ تخوض معركتها الكبرى على قوى الاستيطان الفارسي المنتسب زوراً إلى الهاشمية، فإنها تعرف جيدًا أن العدو الأول للحوثي هو الوعي الوطني المؤمن بالهوية اليمنية كجزء من العروبة التاريخية والإسلامية، وأن الماضين على هذا النهج منذ الوهلة الأولى هم الأجدر بالقيادة والولاء، وأن رهن مصير الأمة بانتفاضة شيخ قبلي هنا أو هناك مزاعم فاشلة تقوي الحوثيين ولا تضعفهم، وفي هذه الأيام التي كانت المعارك تلتهم مقاتليهم في الصحراء وعلى حدود نهم، جاءت الهدية من البيضاء بسحقهم لانتفاضة صغيرة لم تدم ساعات قليلة.
والسبب كما عرفت من أصدقاء ظللتهم أغبرة المعارك أن المستوطنات الفارسية المسماة «مناطق الاشراف» في آل عواض وآل ردمان قادت معركة عسكرية مفاجئة من الداخل بمجرد إعلان الناطق الرسمي للحوثيين عن بدء معركة «التأديب» لياسر العواضي!، وككل معركة تنسى القبيلة هذه الجاليات العنصرية ثم ما تلبث أن تصرخ من التفافها وغدرها وطعناتها.
ولا أحد يحذر، فيما يبدو أنها معركة مستشفى مجانين مع جيوش نازية، فلا المجنون خلدته الذكرى الحزينة، ولا النازية التي تتكون في اليمن أشبعت ولعها في الدم والخُمس والمال الحرام.
كان ياسر العواضي واحدًا من ثلاثة أعضاء غادروا صنعاء باتجاه صعدة في 2012 لمقابلة عبدالملك الحوثي، الاثنان الآخران هما: عارف الزوكا ويحيى دويد. جلسوا معًا على مائدة صغيرة في بيت ريفي قديم وأخذوا العهد والميثاق من عبدالملك الحوثي أن يكون جزءًا من «سلطة مشتركة» تقضي على ما أسموه «الإخوان والسلفية في اليمن» مقابل إحيائهم للمذهب الزيدي الذي بات عبدالملك الحوثي زعيمه الأوحد.
كان انتقامًا واضحًا من ثلاثتهم: ياسر العواضي أحرقته نيران الاعتداء الإرهابي في جمعة رجب 1431 ومعه يحيى دويد «الزيدي المعتق» الذي يثأر لجلد أخيه نعمان دويد الذي احترق هو الآخر في استهداف جامع النهدين، وأما عارف الزوكا فكان ابن شبوة الطيب الجامح، الذي أوصلته اتفاقية ذلك البيت الريفي إلى موقع الرجل الثاني في المؤتمر الشعبي العام.
في 21 سبتمبر 2014 والحوثيون يجتاحون صنعاء من أبوابها السبعة، وجثث الجيش تتناثر على مداخلها، اتصل ياسر العواضي بصديقه القديم الإرهابي «أبو على الحاكم» قائلاً: مبروك يا سيد الرجال!
بعد ثلاث سنين..
قُتِل علي عبدالله صالح، وأطلق الحوثيون وابلاً كثيفًا من الرصاص على جسد عارف الزوكا، وفر يحيى دويد إلى القاهرة، وغادر العواضي إلى قريته ليعيد مجد انتفاضة ديسمبر 2017 لكنه سرعان ما خسر، فانسحب إلى مارب التي كانت إلى وقت قريب جزءًا من أرض الخيانة - حسب زعمه -.
أنا لا أتشفى، فقط أسرد ما حدث، كيلا يكون للناس رأي آخر، ولأذكر أن الركون إلى الجاليات الفارسية التي تزعم زوراً وبهتاناً انتسابها إلى الرسول محمد صلوات الله عليه وسلامه ليس إلا قفزة في المجهول، أو مقامرة دموية خاسرة بكل اللغات.
فهل من مُدّكر؟
..
وإلى لقاء يتجدد