د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
الاقتصاد السعودي أحد أكبر الاقتصادات المعتمدة على الموارد الطبيعية، ولا يزال القطاع الخاص مع أهميته ليس المورد الرئيسي لإيرادات الدولة كما هو الحال في الدول الصناعية.
تمتلك السعودية قوة مالية عامة صمام أمان للتوازن، وهي في نفس الوقت المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي ومصدر الاستقرار المالي والنمو، وكانت السد المنيع، ومثلت حماية للاقتصاد الوطني، وبشكل خاص حماية القطاع الخاص في زمن جائحة كورونا مكنته من الصمود والبقاء، لكن لابد من تنشيط القطاع الخاص وجعله أحد الموارد الرئيسية لإيرادات الدولة وليس العكس كما هو في الوقت الحاضر الذي يعتبر خللا هيكليا وتشويها في بنية الاقتصاد الكلي.
يساهم التنوع في تقليل قابلية تعرض الاقتصاد المحلي بعد جائحة كورونا في تقليل قابلية تعرض القطاع غير النفطي لمخاطر الأخطاء الناجمة عن سياسات التصدي للأزمة في عالم تقوده التقلبات الناجمة عن كورونا المستجد التي يمكن أن تنقلب ضد الرابحين بسرعة كبيرة لذلك التنوع أفضل وسيلة دفاع لتجاوز هذه الجائحة.
من أجل دعم هذا التنوع بسرعة كبيرة كان في إتمام أكبر صفقة في تاريخ سوق الأسهم السعودية في 14/6/2020 بتنفيذ 4 صفقات خاصة على سهم شركة سابك عملاق صناعة البتروكيماويات حول العالم بقيمة إجمالية 259.12 مليار ريال ( 69.1 مليار دولار ) حيث أتمت أرامكو عملاق صناعة النفط العالمي اتفاقية الاستحواذ على حصة صندوق الاستثمارات العامة في الشركة السعودية للصناعات الأساسية سابك والبالغة 70 في المائة.
يتزامن هذا الاستحواذ مع إجازة مجلس الشورى في 15/6/2020 تعديل نظام ضريبة الدخل على الشركات الأجنبية العاملة في السعودية المدرجة في السوق المالية العاملة في قطاع النفط وإنتاج الزيت والهيدروكربونية المساهمة المطروحة في سوق المال السعودية للإعفاء من الضريبة لتخفيف العبء على تلك الشركات وينطبق أيضا على أرامكو لتعزيز تنافسية هذه الشركات وينعكس إيجابيا على الشركات المساهمة وصغار المساهمين وفي نفس الوقت دعم سوق المال السعودية، فيما الشركات السعودية لا تدفع ضريبة دخل المفروضة على الشركات غير الوطنية وتصل إلى أكثر من 20 في المائة من حجم الأرباح على رأس المال، بينما الشركات السعودية تدفع الزكاة بنسبة 2.5 في المائة فقط.
هذا التنوع لإنقاذ الشركات الأكثر تضررا، ودعم سلسلة التوريد والإمداد التي تتعامل معها شركات القطاع الخاص في تأمين احتياجات الأسواق المحلية من السلع والخدمات لضمان تقليل الاختلالات الناجمة عن تفشي الوباء العالمي.
وبحكم اعتماد كثير من الصناعات التحويلية وصناعات الأغذية والاسمنت وغيرها على الأسواق الخارجية، فإن تباطؤ الاقتصادات الدولية والتجارة العالمية سيؤثر بصورة مباشرة في أنشطة القطاع الخاص سواء من جانب الصادرات أو الواردات، ورغم ذلك هناك بعض الأنشطة قد يستفيد من تغيرات العرض والطلب العالمية الخاصة بالمعاملات السلعية والخدمية.
ولا زالت الصناعات التحويلية تسهم في الوقت الحاضر بنحو 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وخطط الدولة رفعها إلى نسبة 25 في المائة بحلول عام 2030، ولا يعقل أن عائدات مبيعات صناعة البتروكيماويات الخليجية عام 2019 بلغت نحو 72.5 مليار دولار شكلت فقط 2 في المائة من إجمالي قيمة مبيعات الصناعة العالمية، فيما بلغ حجم إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي من البتروكيماويات نحو 175 مليون طن تشكل 8.5 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي، ولا يساهم في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة إلا نحو 2.8 في المائة وهي نسبة منخفضة جدا بسبب إنتاج الصناعة الخليجية من الكيماويات السلعية الأقل سعرا من الكيماويات المتخصصة.
وصناعات الأغذية والاسمنت والصناعات البلاستيكية والإنشاءات يتكون معظمه من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي توجه منتجاتها للأسواق المحلية والخليجية بالدرجة الأولى وستظل هذه المؤسسات أقل عرضة لتداعيات كورونا في المدى المتوسط بحكم اعتمادها على الأسواق المحلية.
كما أن هناك صناعات سعودية كالصناعات البتروكيماوية والألمنيوم ستكون قادرة على الصمود والتكيف مع الأوضاع وإن تأثرت أعمالها في المدى المنظور، وتعتمد المملكة ودول الخليج بنسبة 90 في المائة على استيراد حاجياتها من الخضراوات والفواكه والأغذية إما بسبب اختلال سلسلة التوريد أو بسبب المضاربات وجشع بعض التجار، ما جعل الدولة تدعم أكثر من 4 آلاف مزارع وتمويل 33 مشروعا استراتيجيا لضمان الإمداد الغذائي وتوفير السلع والمنتجات الغذائية الرئيسية عبر حزم قدمها صندوق التنمية الزراعية بقيمة 2.4 مليار ريال.